الجلباب الشامي الذي انطلق في سبعينيات هذا القرن ، فانتشر في بلاد العالم العربي والإسلامي ، يبدو أنه في طريقه للانقراض ، ويخشى أن ينطبق عليه التعبير المعروف: "ساد ثم باد" ، فبعد أن كان هو الشكل الغالب في الشارع ، صار من النادر أن ترى فتاة ترتديه ، ولربما اقتصر ارتداؤه على عدد محدود من الفتيات والنساء الكبيرات،.
"عبقري" في الشر ذلك الذي اخترع "الحجاب" الجديد ، فأغرى فتياتنا برمي الجلباب واللهاث وراء غطاء رأس يتفننون في جعله مثيرا ، ثم بنطال ربما يعلوه معطف يطول أو يقصر حسب الحالة الجوية ومدى الالتزام ، وبالمحصلة صار هذا اللباس المحتشم (إلى حد ما،) ذريعة لرمي الجلباب التقليدي،.
المواصفة القياسية الشرعية للباس المرأة المسلمة ، جاءت على لسان أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها ، بقولها أنه "لا يشف ولا يصف" مع العلم أن هذه "المواصفة القياسية" لا تنطبق على كل الألبسة "الشرعية" الموجودة في البلد،.
ولنعد الى القصة من أولها ، فالثوب الفلاحي الذي كانت ترتديه أمهاتنا وبناتنا في القرية والبادية ، في بلاد الشام تحديدا ، ملتزم بهذه المواصفة ، فهو لا يشف ولا يصف الى حد كبير ، أما نساء المدينة فلم يكن يعرن اهتماما "حرفيا" لهذه المواصفة ، فقد كن يرتدين لباسا أسود يصل الى ما تحت الركبة بقليل ، ويغطين وجوههن بقطعة قماش سوداء شفافة ، فيما جزء من سيقانهن كان مكشوفا أو موصوفا، وبعد حالة الصحوة أو "فورة التدين" التي جاءت بها ثورة الامام الخميني في نهاية السبعينيات ، وربما قبلها بقليل ، ابتدع اخوتنا الشوام لباسا اسلاميا جديدا هو "الجلباب" وهو أشبه ما يكون بالمعطف الطويل الذي يرتديه علماء الدين الاسلامي في بلاد الشام ، وقد شاع هذا اللباس على نطاق واسع جدا ، وتفنن الأتراك تحديدا في تحديثه وابتداع أنماط كثيرة منه ، حتى أن بعض الجلابيب الفاخرة تباع بعدة مئات من الدنانير ، وعلى هامش هذا الجلباب ، نشأ جلباب فريد ترتديه بعض النساء من أتباع بعض الحركات ، وهو قصير يصل الى ما دون الركبة بقليل ، فيما ترتدي النساء الملتزمات به جوارب سميكة تخفي ما يظهر من الساقين ، أما "الزي الشرعي" المحدث الذي استهوى فتياتنا ، ولا يُعرف عبقري الشر الذي ابتدعه ، فهو فاتن أحيانا أكثر مما هو ساتر،.
ملف الحجاب في بلادنا جزء من الملف الاجتماعي الذي يشغل بال أسرنا ، وغياب الحركة الاسلامية والدعاة والمرجعيات الاسلامية عنه ، يفسح المجال لاجتهادات خاطئة ، خاصة وأن هناك تغيرا مناخيا في بلادنا ، يستدعي تدخلا ما لابتداع أزياء شرعية ملتزمة ومريحة للمرأة ، خاصة العاملة التي تضطر للتنقل في حر الصيف اللاهب وزمهرير الشتاء القارص،.
Hilmias@gmail.com
(الدستور)