اخيرا, قررت لجنة المتابعة العربية في اجتماعها امس الاول في القاهرة حمل ملف الاستيطان الى مجلس الامن. واذا ما ثبتوا على هذه الخطوة فان تطورا مهما يكون قد حصل على الموقف العربي من ما يسمى بعملية السلام الراهنة. واقول, اذا ثبتوا, لان لا ضمانات حتى اليوم من ان يتراجع العرب عن هذه الخطوة اذا ما ضغطت الادارة الامريكية على العواصم, من اجل ابقائهم تحت رحمة الدبلوماسية الامريكية.
في كل الاحوال, يعرف رؤساء الدبلوماسية في الدول العربية ومنذ وقت طويل بانهم يحرثون البحر بتمسكهم (بالعراب الامريكي) لاجتراح حل مقبول للقضية الفلسطينية, لكنهم يعرفون ايضا انهم لا يملكون خيارات اخرى بعد ان قرروا منذ (كامب ديفيد) الاولى بان يضعوا (كل بيضهم) في السلة الامريكية.
تستحق ادارة اوباما التحية لانها قالت بصراحة ما تعمدت الادارات السابقة تجنب قوله, فالاعلان في واشنطن بانها عجزت عن الضغط على نتنياهو لوقف الاستيطان, ليس مجرد اعتراف بالفشل انما فيه رسالة مباشرة الى الدول العربية, بان لا تراهنوا على واشنطن في مسألة وقف الاستيطان.
قرار لجنة المتابعة العربية بحمل الملف الى مجلس الامن يشير الى استيعابها لفحوى الرسالة الامريكية. لكن هذه الرسالة تحمل معاني ودلالات اخرى نرجو ان لا تغيب عن اذهان رؤساء الدبلوماسية واصحاب القرار في الدول العربية, منها ان واشنطن ارادت ان تقول للعرب بانها لا تملك سلطة فرض الحلول في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. وهو امر يصر العرب على انها قادرة عليه. فمنذ بداية العملية السلمية الراهنة في مؤتمر مدريد عام 1991 والدول العربية وفي مقدمتهم الفلسطينيون مقتنعون بان السلام العادل إما ان تفرضه القوة العسكرية وهي استراتيجية تخلت عنها هذه الدول او ان تفرضه واشنطن على اسرائيل, وهذا اصبح امراً تخلت عنه الادارة الامريكية الحالية بشكل علني وصريح.
واذا كانت واشنطن لا تملك سلطة فرض الحلول, وبالتالي عاجزة (كما تقول) عن الضغط على اسرائيل فان على الفلسطينيين والعرب ان يبحثوا عن سلطة اخرى او خيارات اخرى من اجل اجبار اسرائيل على الامتثال لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بانهاء الاحتلال واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية المشروعة.
مجلس الامن الدولي, لن يكون في المرحلة الراهنة مكانا (لسلطة فرض الحلول على اسرائيل), لان فك الالتزام الامريكي بوقف الاستيطان المؤدي الى استئناف المفاوضات لا يعني فك التزامها بمساندة اسرائيل واحتلالاتها واستيطانها وحروبها في المحافل الدولية. اذ, من الف باء ادعاء الادارات الامريكية الالتزام بعملية السلام في الشرق الاوسط هو تجنيب اسرائيل من ضغوطات المجتمع الدولي والامم المتحدة بعد ان نجحت في وضع ملف القضية الفلسطينية في حضنها وبات محظورا على مجلس الامن او الامم المتحدة او الاتحاد الاوروبي التدخل في عملية صنع السلام في الشرق الاوسط.
لن تكون الخطوة العربية بحمل ملف الاستيطان الى مجلس الامن مجدية ان لم تكن في سياق تحولات كبرى على مسار السياسات الفلسطينية والعربية والمسار السياسي والاقتصادي والمالي والامني من اجل الضغط على المجتمع الدولي والولايات المتحدة لفرض حل مقبول لهذه القضية.
والسؤال الذي على العرب البحث في اجابة عليه من اليوم. ماذا بعد (الفيتو الامريكي) المتوقع في مجلس الامن لاحباط التحرك العربي لوقف الاستيطان والتهويد?.
taher.odwan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)