من الواضحِ أنَّ تناولَ الأحوالَ الهنديةَ فيما يتعلقُ بالشأن الإسلامي والهندوسي لا يَمُرُّ من دونِ علاماتِ استفهامٍ تستحقُ التوضيح. إِذْ تُجمِعُ مؤسساتٌ إعلامية و بحثية و منظماتٌ تتابع حقوق الإنسان أن المسلمين الهنودَ يقعون تحت ضغوطَ ترقى لمرتبةِ التمييز و الترهيب و الاعتداء الدموي العنصري، تُدافعُ الحكومةُ الهندية عن نفسها بضرواةٍ لتنفي هذه المعطياتِ.
يصل عدد المسلمين الهنود ل 200 مليون نسمة و بعض الإحصائيات ترفع العدد هذا بما يقارب الضعف. و كما هو معروف فإن تقسيم بريطانيا للهند تم عام 1947 و استولد الباكستان وبنغلاديش التي كانت حتى عام 1971 تنطوي تحت باكستان باسم باكستان الشرقية. لم يخل قرار التقسيم من طائفيةٍ دينيةٍ حين أعتبر باكستان دولةً إسلاميةً مما نتج عنه هجراتٍ متاعكسةٍ للمسلمين الهنود نحو باكستان و غير المسلمين من باكستان للهند و يحكي التاريخ عن ويلات و مذابح رافقت التقسيم الذي حرص على تشتيتِ باكستان بين منطقتين متباعدتين بينهما أراض هندية مع أن هذه الأراضي تعج بالمسلمين و كان من المنطقِ خلقَ باكستان تمتد من الشرقِ للغربِ لكن هذا لم يحصل.
نصَّ الدستور الهندي العلماني على مبدأ المساواة ومنع التمييز غير أن النعرات الطائفية و العرقية لا تذوي و تجد من يغذيها حتى في أفضل الظروف الدستورية و أكثر البلدان حرصاً علي تطبيق الدستور. لا ينكر أحدٌ أن الغيرةَ الهندوسية من الإسلام تعود لقرونٍ سابقة و لحقبةِ الفتح الإسلامي و إنشاء الدولة الإسلامية في أجزاء واسعة من الهند. يرى الهندوس أن الهند هي موطنهم المقدس المحتوي علي تعاليمهم الدينية وأن ليس للمسلمين الهنود من حقٍّ في الهند كون موطنهم و مشاعرهم المقدسة تقع خارج الهند. كان هذا عماد كتاب "من هو الهندوسي" الذي أَلَّفَهُ ڤي دي ساڤكار في عشرينات القرن العشرين و هو يعتبر الأب الروحي للعصبية الهندوسية. تطورت هذه الأفكار عبر حركةٍ شبه عسكرية هندوسية أطلقت علي نفسها إسم "راشتريا سوايام سيفاك" التي انبثق عنها حزب "باراتيا جاناتا" الحاكم.
أتى هذا الحزب للحكم عام 1998 و في جعبته خطة عمل منها إنهاء وضع مقاطعة كشمير ذاتية الحكم و بناء معبد هندوسي في المدينة الشمالية "آيوديا" و توحيد القانون المدني لكل المواطنين مما يعني إزالة قوانين خاصة بالمسلمين. و منذ عام 2014 بات الحزب الميهنَ دون منافس مما أتاح له برئاسة رئيس الوزراء ،ناريندرا مودي، إحكام القبضة علي مجريات العلاقة مع المسلمين. و كان لتعديل قانون الجنسية عام 2019 بهدف تسريع منح الجنسية أثرٌ سلبي للغاية علي هذه العلاقة. فقد نص التعديل علي منح الجنسية للهندوس والسيخ والبوذيين و الجين و البارسي و لمسيحيي باكستان و بنغلادش وأفغانستان لأسباب إنسانية، واستثنى المسلمين. كما سعى الحزب لتفعيل "سجل المواطنة" الذي ينص علي الحاجة لإثبات "هندية" المواطن. و تم تطبيق التفعيل بولاية آسام عام 2019 حيث أقصى من "الهندية" ما يقارب 2 مليون شخص. ويخشى المسلمون الهنود من أن تطبيق هذا القانون سيضرهم كون عددا كبيرا منهم لن يستطيعوا إبراز أوراق رسمية ثبوتية.
يصف مراقبون حزب باراتيا جاناتا و رئيسه ناريندرا مودي بالفاشية. و ينظرون للانتخابات المقررة عام 2024 بكثير من القلق كون الحزب يتربع علي أغلبيةٍ لا ينازعها حزب آخر و يستقوي ومناصريه من الهندوس المتحرقين لنصرته في الحملة على المسلمين وعلى المظاهر و الأبنية والمؤسسات الإسلامية. علما أن نسبة الهندوس من سكان الهند تبلغ 80 بالمائة و يصل عدد سكان الهند ل مليار و ستمائة مليون و نيف نسمة. و بينما لا يصل تمثيل المسلمين في البرلمان الهندي ل 5 بالمائة من الأعضاء فإن الشكوى من التمييز ضد المسلمين تسجل في قطاعات التعليم و التوظيف والإسكان. كما تنزع الشرطة للتمييز ضد المسلمين فلا تتدخل لوقف الإعتداءات عليهم و تغطي عليها. و تقف المحاكم نفس الموقف بنقض الأحكام ضد الهندوس أو بِرَدِّ القضايا المرفوعة من مسلمين. و ينتشر تعريف "عدالة البلدوزر" الذي يعني السماح بهدم منازل و أعمال المسلمين بحجة عدم الحصول علي تراخيص لها. كما يتم توثيق إعتداءاتٍ علي المسلمين تَحُدُّ من ممارسة العبادات و الملبس كارتداء الحجاب. و لا تسلم المساجد من الهدم و لا الأشخاص العاديين في الشارع من التجني عليهم بتهم إهانة البقر أو أكل اللحوم. و قد تأسست "فرقة حماية الأبقار الهندوسية" لهذا الغرض حيث تعتقل وتعتدي علي المسلمين لأكلهم اللحوم، و تضم هذه الفرقة مسؤولين حكوميين ومواطنين عاديين. و في شهر رمضان الذي تصادف مع احتفالات الهندوس بعيد "رام نافامي" تم الإعتداء علي المسلمين أثناء مرور موكب المحتفلين بدعوى إعتداء مسلمين عليهم. و في ولاية أوتار براديش منعت صلاة التراويح وفرضت غرامات علي المصلين عند شكوى من الهندوس أنها تخدش معتقدهم.
لقد نشرت عديد المؤسسات الحقوقية ما يثبت أن المسلمين يتعرضون لإعتداء ممنهج و سياسي يرقى للفاشية. و قد نددت الباكستان كما منظمة التعاون الإسلامي ببيانها قبل أيام بهذه الاعتداءات. لكن لدى سؤالها عنها نفت وزيرة المالية الهندية، نيرمالا سيثارامان، أن يكون المسلمين الهنود ضحية تمييز و قالت أن عدد "الأقليات" في الهند ازداد منذ الاستقلال عام 1947 و أن علي المتشككين أن يبرزوا الدليل و أن يزوروا الهند ليعرفوا الحقيقة. ثم قارنت بين الهند وباكستان حيث يتناقص تعداد الأقليات في باكستان و بين المسلمين من الطوائف مع أنها دولة مسلمة، كما قالت.
والحقيقة أن الحاجة ماسة لبعثات عربية إسلامية و دولية لكشف الحقائق حول أوضاع المسلمين في الهند. و هذا ما ينبغي عمله علي صعيد منظمة التعاون الإسلامي وعلى الصعيد الفردي من طرف كل دولة. لقد شهدت الأشهر الماضية تصريحات من رسميين هنود كانت جارحة بحق الإسلام و المسلمين و تراجعت عنها الحكومة الهندية متنصلة عن المسؤولية عنها لكن هذا لا يخفي النار والجمر المستعرين ضد المسلمين فالأدلة أقوى من طمرها ضد مجهول و أدبيات الحزب الحاكم تعترف علي ذاتها. أن يقف ما قيل أنه رجل دين لينادي باحتلال مكة هو فرط جنون ولكنه جنون ما كان ليكون لولا الآذان الصاغية في الوسط الحاكم. كما أن من مصلحة الدول العربية الخليجية خاصة أن تنتبه للتغلغل الحاصل ببلادها من البيوت والأسواق و المصالح العامة من قبل جالية هندوسية متمكنة عاشت لعقود طويلة في سلام و أمن قد يعبث بهما اليوم حزب حاكم ينظر هذه النظرة الفاشية للمسلمين.