فارس الماضي القاضي العادل وقسطاس الحق، والمحامي الذي تعلمنا في مدرسته الكبيرة رفعة المهنة المقدسة ورسالتها الشريفة؛ في الانتصار للحق ونصرة المظلوم وشرف الزمالة، والشيخ الجليل الكريم التقي النقي الذي رحل عن هذه الدنيا الفانية في شهر مقدس زائراً للبيت العتيق ومسجد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام معتمراً، مبتهلاً أن تكون خاتمته كتلك التي كانت، وكان رحيل "أبو تحسين" زاهداً من متاع الدنيا ومقبلاً نحو ضيافة الرحمن جلّ وعلا.
كان فارس الماضي أول النبل وآخر مسافات القطيعة، بارّاً بأبيه، ومخلصاً لأهله ورفاقه وذويه، ومربياً فذاً لتلامذته وأسرته وبنيه، صائماً قانتاً قائماً لفرائض الدين ونوافله، كريماً متجاوزاً عن إساءة الآخرين وواصلاً للرحم، وقائمًا بكل أصول الواجب، لا يكلّ ولا يملّ من فعل الخير، ولا يبرح بيوت الله إلا لنصيب الدنيا وأداء الرسالة.
في بداية مشواري في مهنة المحاماة رعاني "أبو تحسين" وكل زملائي المتدربين في المفرق، وتابعنا بكل حب. كان كريماً، ومكتبه ملاذاً لنا ولكل محبيه عن كل حاجة، نرافقه إلى عمان وإربد متكفلاً بنا حتى إذا نادى المؤذن توقف عند أقرب مسجد ملبياً لنداء الخالق وراكعاً لجلاله عز وجل. هذا هو سلوك فارس الماضي الصابر الصدوق الإنسان، وتلك هي الصفات التي تجعلنا نبكيه دماً بقلوبنا قبل العيون.
كان فارس الماضي عصامياً؛ شق الصخر كي يكلل نجاحه بالغار، محامياً صادقاً ورعاً وناجحاً، وقاضياً في التمييز مميزاً في كل أحكامه، ويعمل جاهداً لنصرة الحق في كل سلوك او قرار، ونجح في تربية ابنائه على النبل والورع والاستقامة مما جعلهم قضاة، ورجال قانون، وضباطاً في ميادين الشرف والرجولة، مكملين سجاياه ومسيرته -بمشيئة الله- على كل القيم والمبادئ والمثل والسجايا الشريفة والنوايا النبيلة التي سلكها الفقيد الكبير.
الفقد عزيز وقاسٍ لهذا الراحل الكبير، والمصاب موجع، وإذ كنا نتجرع الصبر برحيله القاسي؛ فلأننا نؤمن ونشهد بأنه من أهل الله وقلبه معلق بالمساجد، سائلين الله العلي القدير أن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هو ورفيقة دربه الصابرة التقية "أم تحسين" الرفيقة الشريفة التي رافقته في حياته ورحيله. يرحمهما الله ويدخلهما جنات النعيم مع الصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا،
ولا حول ولا قوة الا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.