يتعامى كثيرون عما يجري، فأمة الملياري عربي ومسلم، لا وزن لها في ميزان العالم، ولا اعتبار، وهي شعوب في أغلبها ليس لها قضية جماعية، بل كل شعب وفرد ينشغل بهمومه، وليته يفلح فيها.
اقرأ رقما رسميأ عن عدد الإسرائيليين الذين اقتحموا الأقصى في أربعة أيام ماضية، وهي الخميس، الأحد، الاثنين، والثلاثاء، والعدد وصل إلى 3430 إسرائيليا، وهذا متوسط مرتفع جدا، مما يؤشر على أننا مع نهايات هذا العام سنصل إلى رقم مختلف كليا عن أرقام السنوات الماضية.
إذا عدنا إلى عدد الذين اقتحموا المسجد الأقصى عام 2022 لاكتشفنا أن الرقم الرسمي الدقيق يصل إلى 48 ألفا و238 إسرائيلياً، فيما عدد المقتحمين خلال عام 2021 وصل إلى 34 ألفا و 112.
هذا يعني أن أعداد المقتحمين يزداد يوميا، وسنويا، وهذا مشهد يؤشر على التدرج الإسرائيلي، في سياق نظرية تعويد الفلسطينيين، وتطويعهم أمام مشهد الاقتحامات، وليس أدل على ذلك من أن الاقتحامات كانت تجري مرة واحدة صباحا يوميا ثم تحولت إلى مرتين صباحا ومساء، وفي وقت لاحق، تمت زيادة المدة الزمنية لكل اقتحام، بما يعني أن المدة الزمنية سوف تزيد مجددا.
لنتحدث بصراحة شديدة، الاقتحامات تعني السيطرة الجغرافية والمكانية على الحرم القدسي خلال فترة الاقتحام، وهذا يعني أن التقسيم المكاني تم جزئيا، مثلما أن التقسيم الزمني يتم جزئيا، ويقال هذا الكلام لأولئك الذين يواصلون التحذير من التقسيم المكاني والزمني، ويقفزون عن حقيقة التقاسم المكاني الجزئي، والتقاسم الزمني الجزئي، الذي نراه خلال هذه الأيام.
لكن قراءة الذهنية الإسرائيلية، تقول إن الاحتلال لديه مخططات ينفذها بالتدرج، ولا يستعجل، حتى لا يثير الرأي العام، وهو مع كل مرحلة يتوسع أكثر، في خط بياني واضح.
حتى المقارنات مع سيناريو التقاسم في الحرم الابراهيمي في الخليل، ليست دقيقة، على الرغم من وجود هذا التقاسم في الخليل، إلا أننا في القدس نشهد قصة ثانية، والسبب الرغبة بإقامة هيكل سليمان في ذات موقع الحرم القدسي، وإزالة كل المسجد الأقصى والسيطرة عليه، أو حتى إزالة أحد المسجدين القبلي أو قبة الصخرة، حيث قبة الصخرة هي المهددة أكثر، مثلما أن مساحات الحرم القدسي التي لا بناء فيها مهددة أيضا، ولن يكون غريبا أن نرى فرض إسرائيل لسيادتها السياسية-الإدارية على كل هذه المساحة، حتى لو نفت إسرائيل هذا الكلام في الوقت الحالي.
ما يراد قوله هنا، يتعلق بطبيعة الاستراتيجية التي يتوجب اللجوء اليها، لوقف إسرائيل عند حدودها، إذ لا يعقل أن تواصل كل المنطقة العربية والإسلامية التفرج على ما يجري، وكأن الأمر لا يخصها، خصوصا، مع تصاعد درجات التقاسم المكاني والزمني، بشكل واضح وجدا.
البنية الاجتماعية المقدسية هي الأساس في الدفاع عن المسجد الأقصى، ولهذا يتم انهاكها أو محاولة استيعابها، عبر وسائل كثيرة، مثل أن يتم الاستمرار في محاولة فصل فلسطين المحتلة عام 1948 عن الواقع في القدس، وعزل غزة، ومحاولة إعادة إنتاج دور الضفة الغربية، وهي محاولات إسرائيلية سوف تتواصل ولن تتراجع، بما يعني أن الخطر يعد كبيرا، خصوصا، أن عنونة كل القصة بعنوان أداء العبادات والصلاة في الأقصى، عنونة خاطئة، تلغي الأثر السياسي لكل قصة القدس، واحتلالها، وطمس ملامحها، ومحاولة شطب هويتها التاريخية، لصالح هوية مستحدثة.
لقد تم التحذير آلاف المرات من عمليات الاقتحام، باعتبارها تعبر عن التدرج في التقاسم المكاني والزمني، فلم يهتم أحد، وكأنهم ينتظرون التقاسم النهائي لنسمع أصواتهم وصيحاتهم المجيدة!.
(الغد)