باتت حماس الرقم الأصعب على الأرض في فلسطين سواء على مستوى القرار السياسي او في المواجهة مع الكيان الإسرائيلي ، وعلاقاتها العربية والإسلامية والدولية في تنام مستمر ، ولم تعد تلك الحركة التي خرجت من الأردن قبل ما يقارب الربع قرن باحثة عن مقر جديد لها ، وللإنصاف الأردن كان أول من فتح أبوابه للحركة ووفر لها مساحة كبيرة للتحرك شريطة ألا تستخدم الأراضي الأردنية لأي عمل مسلح لأن تكلفته ستكون باهظة ، وشاءت الظروف أن تغادر حماس وتغلق مكاتبها في عمان لأن الأردن في ذلك الزمان وجد أن من مصلحته الوطنية والأمنية العليا أن يتم هذا الأمر ، بعد كل هذه السنين فإن الظرف اختلف والصورة تغيرت ملامحها في القضية الفلسطينية التي يشتبك الأردن معها في كل يوم وكل ساعة وهو الأكثر عربيا وإسلاميا في تبني حقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عنها ، ويعمل بصدق خالص من أجل الوصول إلى حل يعيد للفلسطينيين حقوقهم كاملة ، ولكنه يحصر اتصالاته وتنسيقه على الجانب الفلسطيني مع السلطة في رام الله التي يعتبرها الممثل الشرعي للفلسطينيين، وقد عملت إسرائيل على نزع كل سلطة من هذه السلطة ، وأصبحت لا حول لها ولا قوة وأصبح المطلوب منها فقط مهمة التنسيق الأمني، الأمر الذي جعلها تعيش حالة جفاء مع كثير من شرائح الشعب الفلسطيني ، وللإنصاف كل الظروف عملت ضد هذه السلطة إذ لم تجد سندا لها في مواجهة إسرائيل على المستوى العربي والدولي ، وظل الأردن وحده من يقف إلى جانبها حتى تستطيع القيام بالواجبات المطلوبة منها إزاء شعبها ، ولكن الضغط الإسرائيلي لم يجعلها تتنفس ولو للحظة .
وبالعودة إلى موضوع علاقة الأردن مع حماس ما المانع من إعادة النظر بها لأنه على الواقع لم تنقطع بالكامل بين الطرفين ولم تصل إلى العداء لا سمح الله، وراعى الأردن في الكثير من المواقف ظروف قيادات حماس الإنسانية، وسمح لهم المجيء إلى الأردن ناهيك عن اللقاء الشهير في قصر الحسينية لقيادات حماس مع الملك عبدالله الثاني قبل سنوات، كمان أن حماس لم يسجل عليها يوما أنها أساءت للأردن ، بل عملت قيادتها جادة لإعادة ترميم العلاقة مع عمان طوال السنيين الماضية، وفي السياسية لا شيء مستحيل، مصر مثلا ، عندما سقط حكم الإخوان هناك ووقع بينها وبين حماس ما صنع الحداد، واعتبرت القاهرة الحركة تهدد الأمن الوطني المصري ، ولكن القيادة المصرية عندما رأت أن من مصلحة الشعب الفلسطيني وخصوصا في غزة تجاوزت عن كل الخلافات والجراحات وأعادت جدولة العلاقة مع حماس ، وكذلك سوريا التي خرجت منها قيادة حماس قبل أكثر من عشر سنوات لأنها رفضت الانحياز للسلطة في الأحداث التي المت بسوريا ، في الفترة الأخيرة تم ترميم ولو جزء من العلاقة بين الطرفين، وما حدث مع القاهرة ودمشق ليس حبا بحماس ولكن لانهما رأيا أن هذه الحركة لها اليد الطولى على الأرض في الداخل الفلسطيني، وأصبحت جزءا هاما ومفصليا في القرار الفلسطيني ، وتم التواصل معها تحت عنوان مصلحة الشعب الفلسطيني، ومن غير المستبعد أن تفتح عواصم عربية أخرى أبوابها لحماس بعد أن كانت أغلقتها ضمن حالة الانفتاح التي تشهدها المنطقة حاليا.
ليس من الخطا أن تفكر عمان بإعادة التواصل مع حماس ، لأنها الأولى كما ذكرت هي التي تحمل الملف الفلسطيني على كل المستويات الدولية ومن الضروري أن تكون على تواصل مع كل الأطراف الفلسطينية و لأن صوت الأردن مسموع وذو مصداقية عالية عند هذه الأطراف.
لا أحد يدعو أن تعود حماس بكامل نشاطها ومكاتبها إلى عمان، ولكن الدعوة أن تكون ضمن الاتصالات الأردنية على المستوى الفلسطيني، لأنها باتت القوة الأكبر والأكثر تأثيرا في القضية، وهي تثق بالقيادة الأردنية و متأكدة من حرصها على حقوق الشعب الفلسطيني، وهي بالتأكيد تتمنى أن يعاد خط التواصل مع عمان، لأن الأخيرة تشكل الحاضن الأكبر لكل تفاصيل القضية الفلسطينية، وأثبتت الأيام والأحداث أن الملك عبدالله الثاني خير من حمل الملف الفلسطيني، فهل نرى أو نسمع قريبا عن إعادة الحرارة للخطوط الأردنية مع حماس .