التكنولوجيا البشرية في صياغة الأبيات الشعرية
احمد حسن ضيف الله
11-04-2023 03:00 PM
هل تحوّل الشّاعر إلى ربوت في التّعبير عن مشاعره وعواطفه لبناء محتوى قصائده في وقتنا الحاضر؟!
كثيرًا ما نسمع عن ظهور شعراء جدد في زماننا هذا,نكاد لا نُحصي أعدادهم لكثرتهم ,وكأنّنا امام طوفان يجتاح العالم بكلماته وتعابيره اللّولبيّة حيث الخيال المجرّد من الخيال والمُحسّنات البديعيّة التي تفتقر إلى مفهوم المحتوى الأدبي الهادف وكأنّها نصال قوسٍ حادت عن هدفها وما صُنعت له ,فهل نستطيع القول أن ملكة اللّسان غابت في زمان التقدّم والرّقي والإزدهار؟! ولعلّي أذكر لكم بعض الأبيات التي حفظتها وأنا في سنّ الدراسة حيث تقول الرّواية أنّ ثلاثة شعراء اجتمعوا في حديقةٍ حولها ماء وأراد كلّ منهم وصف الأجواء التي يعيشون فقال الأول:
الأرض أرض والسّماء سماء والشمس قالوا أنّها حمراءُ
وأتبعه الثّاني بِدُرّته اللاّمعة قائلاً :
الأرض أرض والسّماء سماء والرّيح تجري في شدّة ورخاءُ
وأغلق ثالثهم الحوار ببيت شعرِه “الخنفشاريّ” قائلاً :
الأرض أرض والسماء سماء ونحن قومٌ جلوسٌ في حديقةٍ حولها ماءُ
والمتأمّل هذه الأبيات الثلاثة يُدرك جليًّا غياب ملكة اللّسان والإفتقار إلى الأغراض الأدبيّة والفنّية للموضوع وكانّنا نستذكر المقولة العربيّة الشّهيرة المأخوذة من التراث الشّعبي “وفسّر الماء بعد الجهد بالماء”.
كم نحن بحاجة إلى عصر التورية والمعلّقات الشّعرية المُطوّلة التّي ما ان تقرأها حتّى تشعر كأنّك تسبح في خيال واسع وتتنقّل على راحلتك البدويّة من بيتٍ إلى بيت وكأنّك تُسلّم على الدّيار وأهلها وفجأةً تتتوقّف عند الأطلال وعشق الماضي والحنين إلى الذكريات هنا يخرجُ الشّعر من صومعته المُجرّدة حسّيًا وعاطفيًا إلى المعنى الحقيقي للتّعبير عن العواطف المُتدفّقة والمشاعر الجيّاشة وعندها أستطيع القول هذا هو الشّاعر الإنسان صاحب الكلمة الحقيقيّة المُعبّرة عن ذات الشّاعر ومكنوناته المجرّد من آليّته المادّية كالروبوت.
"إيطاليا تلغراف"