السمع والطاعة وفضل المخالفة عند الرؤساء
د.مهند مبيضين
11-04-2023 12:22 AM
جغرافيا الآراء في أي اجتماع أو مجلس علمي او مجلس حكم أو إدارة، غالباً تروم استكشاف ما يريد أو يومئ به أي رئيس لأي اجتماع، وفي الغالب فإن المخالف او المعارضة يكون في مكانٍ قصي، ليس هذا معناه أنه منبوذ، فقد يكون من يُقر بالاختلاف ويجهر بالرأي أكثر الناس المحببين لمرؤوسيهم خاصة حين يكون السواد العام ينشد الطاعة وعدم المخالفة.
للسمع تقنيات، وللقول مثلها، ولسنا هنا بصدد إيجاد فرضية آنية أو معايير للسمع والطاعة، لكن للأسف ثقافتنا العامة تكرس مبدأ السمع والطاعة وعدم المخالفة، وهو أمر مكرس في الثقافة العربية، التي منها الأردنية.
أزمة الرأي المخالف تكون عادة في ظل أنظمة مستبدة، لذا فإن البعض من العلماء والمشايخ غلف مخالفته الرأي بشكل من النصيحة، وهناك آدب خاص بهذا النمط من الرسائل والنصائح، ومثلة نصيحة ابن علوان فقيه حماه إلى سلاطين آل عثمان، كما وضع الفقيه والمؤرخ اليمني محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الملقب بـبدر الدين الشوكاني، وهو أحد أبرز علماء أهل السنة والجماعة وفقهائها، وقاضي صنعاء سنة 1229 هـ/ 1814م رسالة بعنوان «رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين».
جوهر فكرتها أن الشوكاني لا يجد ضيرا في ان يكون اهل العلم على مقربة من السلطان حتى وان كان مستبدا لأنهم قد يخففوا غلوه في الاستبداد وهو يرى لو امتنع أهل الفضل والعلم عن معاونة السلطان والاتصال به لأدى ذلك لتعطيل الشريعة.
لاحقا اكد عبد الرحمن الكواكبي (توفي 1902م) المنظر العربي ضد الاستبداد والمتوفى بالسمّ، والمتأثر بالمفكر الإيطالي الكونت فيتوريو أميديو آلفيري (توفي 1803م) ما خلص إليه آلفيري في دراسته نظام الطاغية بأنّ الطاغية لا يمكنه تحقيق الاستبداد إلا بالتعاون مع الجيش والكنيسة (رجال الدين).
وهي الفكرة ذاتها عند الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد حيث اعتبر أن من أكثر أسباب الاستبداد اعوانه من رجال الدين. وقصة الكواكبي ونقد الاستبداد معروفة، لكنه من غير المعروف كثيرا انه نسخ افكار غيره وبالأخص آلفيري، الذي ناهض الطغيان ورجال الدين من أعوانه.
اعود للنصيحة والمخالفة في الرأي، وهي امر يستكرهه البعض، لكنها واجبة ومهمة لأي مسؤول، وقد أورد عبد الرحمن الجبرتي مؤرخ مصر في زمن الحملة الفرنسية ما يلي في مقدمة كتابه عجائب الآثار ج1 ص 28:»كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الحسن البصري: انصحني فكتب إليه: إن الذي يصحبك لا ينصحك، والذي ينصحك لا يصحبك» وقيل أنه رد عليه بالقول يا أمير المؤمنين، عليكم باهل البيوتات فإنهم إن عدموا الدين لم يعدموا المروءة، وقيل سأل معاوية بن أبي سفيان الاحنف بن قيس كيف الزمان؟ فقال: أنت الزمان فإن صلُحت صلُح الزمان، وإن فسدت فسد الزمان، آفة الملوك سوء السيرة وآفة الوزراء خبث السريرة وآفة الجند مخالفة القادة، وآفة الرعية مخالفة السادة وآفة الرؤساء ضعف السياسة وآفة العلماء حب الرياسة وآفة القضاة شدة الطمع وآفة العدول قلة الورع وآفة القوي استضعاف الخصم، وآفة الجريء إضاعة الحزم وآفة المُنعَم قبح المن، وآفة المذنب حسن الظن، والخلافة لا يصلحها إلا التقوى والرعية لا يصلحها إلا العدل.»
ختاما، المخالفة في الرأي عن الرئيس أي رئيس شجاعة، وتقديرها يكون من الكبار وأصحاب الحيطان العالية المكتملين في شخصيتهم، الذي يحترمون الرأي ويقدرونه، وهذا لا يعني أن الرأي المؤيد المستند للحق مرفوض، بل على العكس هو المطلوب، فالغاية تحقيق الرشاد والعدل في العباد.
(الدستور)