ظل الأمير عبد الإله بن الحسين يبني رؤيته للموقف في منتصف الخمسينات على استبعاد أن يقوم انقلاب عسكري ضد الهاشميين في العراق، وعندما حذر جلالة الملك الحسين المسؤولين العراقيين من معلومات مؤكدة لديه بمؤامرة تستهدف النظام السياسي في العراق لم يؤخذ التحذير بجدية، فقد كان الرأي المعلن لعبد الإله أن الهاشميين جاءوا إلى العراق بطلب من العراقيين أنفسهم، وأن نتيجة الاستفتاء على الملك فيصل الأول في أوائل العشرينات، وبناء على شرطه هو، كانت تأييدا لتوليه الملك بنسبة تزيد على 95%، وأن الهاشميين في العراق لم يكونوا طرفا في الخلافات السياسية ولكنهم مرجعية ويمثلون قاسما مشتركا للأحزاب والطوائف والقوى السياسية.
يستذكر اليوم العراقيون على جميع اتجاهاتهم وانتماءاتهم تلك المرحلة من تاريخ العراق الممتدة بين عامي 1921 – 1958 ويجمعون على أنها المرحلة الأكثر أهمية وإنجازا في تاريخ العراق، فقد تشكلت هوية العراق كدولة ومكان، ولم يكن قبل ذلك ثمة عراق وإنما ولايات ثلاث (بغداد والموصل والبصرة) وأقيمت أفضل وأعرق الجامعات والكليات الأكاديمية والعسكرية، وحصل العراق على استقلاله مبكرا وكان عضوا في عصبة الأمم (قبل تشكيل هيئة الأمم) وكان من بين دول قليلة في العالم لا تتجاوز الثلاثين دولة مستقلة وتحظى بعضوية عصبة الأمم، ونشأت أحزاب سياسية علنية وصحف ووسائل إعلام حرة ومستقلة، ومن طرف العمل السياسي والإعلامي في العراق أن إذاعة للمعارضة والحركة القومية والوطنية العراقية كانت تبث من قصر الزهور "الملكي" برعاية الأمير ثم الملك غازي بن فيصل.
وكان الملك فيصل في أوائل العشرينيات شخصية مؤثرة على مستوى العالم، وقد وصفته التايمز مرة بأنه "منشئ الجيش العربي وصلاح الدين العصر".
وكان العراق لدى وصول الملك فيصل إليه عام 1921 بلدا متواضع الإمكانيات والبنى التحتية، فلم يكن في بغداد سوى ثلاثة جسور خشبية مثبتة على زوارق.
وكان الدستور العراقي يقوم على نظام برلماني، كما هو مطبق في بريطانيا، وبدأ العراق يتحرك لتصويب العلاقة مع كل من تركيا والسعودية، واستطاع الملك فيصل إنهاء العداوة وحل المشكلات القائمة وإقامة علاقات جوار ودبلوماسية مع جيرانه.
وكان الملك غازي يتمتع بشعبية كبيرة منذ أن كان وليا للعهد، وأما الملك فيصل الثاني بن غازي فقد اختير ملكا على العراق بعد وفاة والده وكان طفلا صغيرا، فاختير الأمير عبد الإله بن علي بن الحسين وصيا على العرش، وفي عام 1952 بلغ الملك فيصل الثامنة عشرة وتوج ملكا دستوريا، وعين عبد الإله وليا للعهد.
وعندما تأكد الانقلاب العسكري وحوصر القصر الملكي رفض الملك فيصل الثاني أن يحدث قتال برغم استعداد الحرس الملكي للقتال حتى النفس الأخير، وكان الرد إذا كانت رغبة الجيش هي السيطرة على الحكم فسوف ننسحب وطلبوا فقط أن يسمح للعائلة المالكة ومن يرغب بمرافقتها بالخروج دون قتال أو اعتداء على أحد، وطلب من الحرس الملكي أن يمتنع عن الرد على أحد، وخرج الجميع من القصر لا يحملون سلاحاً، وبعضهم يرفع المصاحف فوق رأسه في إشارة بعدم الرغبة في القتال ولا الرغبة أيضا في حكم الناس عنوة.
وقد عرض مرافقو الملك فيصل الثاني عليه فكرة تهريبه من القصر ونقله إلى مكان آمن، ولكنه رفض، ونادى قادة الانقلابيين بأنهم يعرضون على العائلة مغادرة القصر بأمان والسفر إلى الأردن، وأبدى أفراد سرية الحراسة الخاصة بالملك استعدادهم للقتال حتى الموت، ولكن الملك رفض القتال واختار أن يخرج سلما ومعه من شاء من المرافقين والخدم، وأبدى نحو 20 شخصا من العائلة المالكة ومرافقيها رغبتهم في الخروج معا إلى الأردن، ولكن الانقلابيين أخلفوا وعدهم وأطلقوا النيران بكثافة على الملك ومرافقيه العزل فقتلوهم جميعا.
وفيما بعد دخل السبيعي قائد القوة العسكرية التي هاجمت القصر في حالة عميقة من تأنيب الضمير وهو الضابط الذي تخرج من الكلية العسكرية ليكون مقاتلا ومدافعا عن وطنه ليجد نفسه يقتل أبناء وطنه العزل والمسالمين بل والرافضين بإصرار أن يقاتلوا وهم قادرون، ثم أطلق النار على نفسه وانتحر.
اليوم، وبعد خمسين عاما من الانقلاب العسكري الدموي الذي وقع في العراق وأدى إلى مقتل عدد لا يحصى من العراقيين، بل إن طبقات كاملة من السياسيين والمهنيين والقادة العسكريين اختفت، فإن العراقيين بخاصة والعرب بعامة بحاجة لفهم التاريخ وملاحظته كما هو بالفعل لعلنا في ذلك نقترب من التمييز بين الخطأ والصواب ولا نواصل تكرار الأخطاء والكوارث.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo