ضبط الأسواق .. هيبة الدولة
وليد شنيكات
10-04-2023 01:26 PM
ما زالت الشكوك تحوم حول قدرة الحكومة على ضبط الفوضى التي تشهدها الأسواق التجارية، سواء أكان ذلك فيما يتعلّق بعدم توفّر السلع الأساسية أو رفض التجار الالتزام بالسقوف السعرية التي وضعتها وزارة الصناعة والتجارة. قبل شهر رمضان كانت الوزارة تتذرع دائماً بارتفاع الأسعار العالمية وتداعيات الحرب في أوكرانيا، بيد أن الوضع اليوم صار أكثر سوءاً فالناس تضطر إلى شراء مستلزماتها بشكل شبه يومي خلال الشهر الفضيل وجشع التجار في تعاظم.
كلّنا يذكر تهديد رئيس الوزراء للتجار الجشعين العام الماضي عندما أكد أن الحكومة لن تسمح بالعبث بقوت المواطن أو المغالاة في أسعار السّلع والمواد وأنها ستتعامل "بالعين الحمراء" مع كل من يتلاعب أو يتجاوز على عيش المواطن، بيد أن الأسعار بقيت على حالها ولم يتغيّر شيء واليوم التاريخ يعيد نفسه، فوزارة الصناعة مازالت عاجزة عن ضبط الأسواق وهو الدور الأهم لها وهو إشاعة الطمأنينة في أوساط المواطنين لا أن تتركهم نهباً لجشع التجار.
ضبط الأسواق جزء من هيبة الدولة، والأمن الغذائي قضية وطنية مثل أيّ قضية أُخرى تمسّ كافة شرائح المجتمع وبخاصّة الطبقة المسحوقة التي لا نصير لها في تأمين مستلزمات عيشها، وهذا الملف ينبغي أن يُعامل بحزم أكثر وأن تكون العقوبات رادعةً بشكل أكبر للحفاظ على هيبة الدولة والحفاظ على الشرائح الاستهلاكية من تغوُّل أصحاب الأنفس المريضة في السوق.
في السابق كانت وزارة الصناعة تتحدث باستمرار عن توفّر المواد الغذائية في الأسواق بشكل كافٍ، غير أن الأسعار بالمقابل كانت في صعود مستمر، واليوم الوضع مختلف تماماً، فهناك غياب للسلع الأساسية إلى جانب ارتفاع في الأسعار، وفي جولة على بعض المدن والقرى تلمس ذلك بسهولة، فكل أُسرة تحتاج إلى شراء احتياجاتها خلال شهر رمضان بشكل يومي بعكس الشهور الأخرى.
عندما تقرأ تصريحات وزارة الصناعة عن توفُّر السلع وأن هناك ضبطاً في الأسعار تحتار، كونه يتنافى مع بيانات جمعية حماية المستهلك التي تصلها الشكاوى بشكل يومي، لكنها هي الأخرى تبدو عاجزةً عن فعل أي شيء، فهي فقط ناقل للرسائل أو دعوة الناس إلى عدم التهافت على شراء السلع وهي حيلة العاجز.
قبل أيام تلقّت جمعية حماية المستهلك شكاوى تفيد بعدم توفّر مادة الدجاج بكميات كافية في الأسواق وأن المتوفّر منها، إما وزنه يتعدى 2500 أو أقل من 1000 فيما يتعلّق بالدجاج الطازج، أو عدم الالتزام بالسقوف السعرية المحدّدة من قبل وزارة الصناعة والتجارة، غير أن ردّ الوزارة جاء مبهماً عندما أكدت أن مادة الدجاج متوفرة في الأسواق بشكل عام.
وعندما يحتجّ المواطن الضعيف على هذا الانفلات في الأسعار فتجد التاجر يبادره بكل استهزاء "خلي وزارة الصناعة تنفعك" أو "إذا رقم الوزارة مش معك بعطيك إياه" دلالة على ضعف الدور الرقابي الذي تمارسه الوزارة في الأسواق. هناك عدم ثقة من قبل المواطن بدور وزارة الصناعة، وحتى جمعية حماية المستهلك هي الأخرى لا حول لها ولا قوة، فقط تسجل ملاحظات، مع أن الأصل أن يكون لها دور سياسي نشط في ضبط السوق ووضع خطة لإدارة الأزمة التي تتكرّر قبل كل موسم من خلال توجيه الناس بمقاطعة السلع أو تقنين عمليات الشراء، وهذا موجود في كل دول العالم.
تقول وزارة الصناعة إنها أجرت في النصف الأول من رمضان 425 جولةً رقابيةً فقط على الأسواق، وهذا غير كافٍ، خاصّة أن الفوضى التي تشهدها الأسواق غير محصورة في العاصمة فقط فهي في المحافظات وقرى الأطراف. ومن المؤسف أنه كلّما أعلنت الوزارة عن ضبط مخالفات في الأسواق تجد أن كثيراً من التجار يتمادون بشكل أكبر في رفع الأسعار، ويبدو أنهم غير مكترثين أصلاً.
أسلوب التسكين وذر الرّماد في عيون المستهلكين من خلال محاولة إقناعهم بأن هناك رقابةً صارمةً على الأسواق هو محاولات يائسة لامتصاص غضب الناس في شهر رمضان ليس أكثر، فالكل يسمع ويرى ما يجري في الأسواق باستثناء وزارة الصناعة التي تكتفي بدور الرقيب العاجز.
ونحن على مقربة من انتهاء شهر رمضان المبارك واستقبال عيد الفطر فإننا سنكون بمواجهة أزمة شراء الملابس التي تتكرّر مع كلّ موسم، فماذا ستفعل وزارة الصناعة حينئذ، فيما نقابة تجار الملابس تبقى هي المدافع الشرس عن حقوق أصحاب القطاع، وبالتالي سيظلّ المواطن وحيداً أولاً وأخيراً.