لم يتعلم قادة الكيان الإسرائيلي من أخطائهم عبر العقود على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم السياسية، وخلفياتهم التلمودية، أن الاقتراب من الأقصى ومحاولة المس بقدسيته يفتح عليهم النار من كل الاتجاهات، لأنه بؤرة الصراع في فلسطين وهو البوصلة التي توجه مسارات الصراع هناك.
إسرائيل اليوم وإصرارها على تجاوز الخطوط الحمراء في باحات الأقصى ومساجدها فتحت على نفسها جبهات عديدة تصتك أسنانها لقتال هؤلاء الصهاينة الذين تمتلئ رؤوسهم بالحقد والخرافات، الجبهة الأهم على الأرض، أبناء فلسطين وأبناء القدس بالذات، الذين في كل معركة يثبتون لإسرائيل والعالم أن إصرارهم يزيد يوما بعد يوم على الدفاع عن الأقصى وحمايته من تدنيس الأقدام الهمجية وانهم كسروا كل حواجز الخوف والرعب في المواجهة وباتوا يرسمون خطوط المعركة بأنفسهم..
كما ان الذي حدث أمس الأول على الجبهة اللبنانية وكذلك القصف الذي تم تنفيذه من الأراضي السورية يؤشر بقوة أن الجبهات عندما تكون القدس بؤرة الصراع تتوحد على خط نار واحد، ناهيك عن المقاومة في غزة والتي تعتبر المهدد الأكبر لإسرائيل وخط الدفاع الأول عن كل فلسطين.
إسرائيل لم تعد ذلك البلطجي الذي يعربد في المنطقة دون ان يردعه أحد، بل أصبحت، تحاول الآن الحفاظ على التهدئة على الجبهات المفتوحة عليها، وخصوصا جبهة لبنان، مع علمها اليقين بأن الصواريخ التي أطلقت عليها هناك ما كانت لتكون لولا على الأقل علم حزب الله، لكنها تجاوزت هذا في سبيل عدم التحرش بالحزب واستفزازه لأنها تعلم خطورة اشعال الجبهة معه.
وبالعودة إلى غزة، فقد عملت إسرائيل على التمسك بالحد الأدنى من قواعد الاشتباك، وبالأحرى الحفاظ على ماء الوجه.
رغم الدعم الأمريكي والاوروبي المعنوي والفعلي إلا أن إسرائيل اليوم في أضعف حالاتها، خصوصا بعد الشرخ الكبير الذي ظهر على السطح في كينونتها بين مختلف شرائح المجتمع فيها سياسيا وفكريا والفلسطيني اليوم في أقوى حالاته في المعركة، فالمبادرة بجزء كبيرة منها أصبحت بيده، ولم يعد يدافع بمقدار ما يهاجم، وساحات الأقصى وعموم فلسطين كلها تعيش هذا الواقع، وحالة الرعب التي يعاني منها جنود الاحتلال عندما ينزلون لمواجهة الفلسطينيين على الأرض وحوادث الانتحار عندهم أصبحت ظاهرة وتترقبها كل وسائل الاعلام في العالم، والكثير منهم الجنود يحاولون التهرب من المواجهة.
بالمجمل فإن وجه المعركة تغير، ولم تعد كفتها بالكامل لصالح إسرائيل، لأن مع الجبهات تلك التي ذكرتها فإن هناك جبهة سياسية عريضة مفتوحة على إسرائيل في كل عواصم القرار الدولي، عرابها الأردن، صاحب الوصاية على المقدسات وصاحب العلاقة الأقوى مع فلسطين،حيث تلاحم اللحم مع العظم، ومنذ زمن تتحدث عمان مع تل ابيب بلغة خشنة محذرة اياه من العبث في المقدسات واثارة المشاعر ليس قي فلسطين وحدها بل في كل العالم الاسلامي وايصال كل جهود انهاء الازمة الى الحائط وامس دخل الاردن في مواجهة مع اسرائيل عندما رفض تسلم رسالة منها تطالبه بافراغ الاقصى من المتكفين واصر على موقفه بأن يظل الحرم مفتوحا امام المصلين والمعتكفين..
بالجمل لم تعد قواعد اللعبة في المنقطة كما كانت واصبح لها وجه اخر..