للمرة الأولى تقوم الصين بإجراء مناورات عسكرية ضخمة بطابع هجومي ولمدة ثلاثة أيام, بدأت يوم أمس السبت وتنتهي يوم غد الإثنين, حيث قامت بتطويق جزيرة تايوان ب11 سفينة حربية , في حين قامت 70 مقاتلة حربية بالإقتراب من الجزيرة,وتشارك مدمرات وزوارق سريعة قاذفة للصواريخ وطائرات تموين , بمحاكاة للسيطرة على البحر والمجال الجوي والإتصالات الخاصة بالجزيرة, وضرب أهداف مختلفة داخل الجزيرة لإحداث قوة رادعة ومنع تدخل أي قوى خارجية من خلال أساطيل أو مقاتلات خارج الجزيرة لمساندة القوات التايوانية.
إن هذا الإجراء لم يكن ليحدث لولا إستفزاز الولايات المتحدة للصين كما يراها الصينيين , فقد وعد رئيس الولايات المتحدة الصين من خلال لقاء الرئيسين في قمة بالي العام الماضي بالمحافظة على الصين موحدة, لكن مجريات الأمور إختلفت بعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لروسيا, حيث دعت الولايات المتحدة رئيسة الوزراء التايوانية تساي إينغ وين أثناء زيارتها لدول أمريكيا اللاتينية, لزيارة الولايات المتحدة حيث لبت الدعوة وقامت بزيارة كاليفورنيا ولقاء رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي الإسبوع الماضي وحضر اللقاء حشد من نواب الحزبين الديمقراطي والجمهوري حيث صرحت بعدها :" أن تايوان ليست معزولة وليست وحيدة" في مواجهة الصين, وتوالت الإستفزازات الأمريكية كما يصفها الصينيين ,وبعد ساعات على إعلان هذه المناورات التقت أيضاً رئيسة الوزراء التايوانية تساي وفداً من الكونغرس الأمريكي الذي يزور الجزيرة لتسريع مبيعات عسكرية وأسلحة تساعد القوات التايوانية بالدفاع عن نفسها.
لقد بررت الصين هذه المناورات واصفة إياها للحفاظ على وحدة الصين ومنع التدخل فيها , وإرسال رسالة إلى الإنفصاليين التايوانيين الذين يتواصلون مع قوى أجنبية للتدخل بشؤون تايوان على حد قولهم .
أما الموقف الأمريكي من المناورات هذه, فقد صعّدت الولايات المتحدة خطابها وقالت على لسان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل ماكول أن الولايات المتحدة ستتدخل إذا غزت الصين تايوان بإرسال قوات عسكرية.
إن قيام الولايات المتحدة بإستفزاز الصين في هذا الوقت ما هو إلا ردع الصين لأي مساندة عسكرية فاعلة للقوات الروسية في الحرب الأوكرانية , والتي تمر بمنحنى خطير حيث أن كلاً من الطرفين الروسي والأوكراني يجهز لمعركة برية قادمة , يعاني فيها الطرفين من نقص في الذخيرة وخصوصاً القوات الإوكرانية, وإن أي دعم عسكري صيني لروسيا في هذا الوقت سيؤدي إلى كسب المعركة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو فكرت الصين بإجتياح تايوان بعد هذه المناورات ؟ وتزامن ذلك مع الحرب الروسية- الأوكرانية, هل تترك الولايات المتحدة أوكرانيا لروسيا لكي تلتهمها, وبالتالي تكون خسارة مزدوجة للولايات المتحدة ناتجة عن سوء إدارة, في حين دعى الرئيس الفرنسي الأوروبيين اليوم إلى عدم التدخل بالقضية التايوانية والإنجرار وراء الولايات المتحدة الأمريكية في تصعيدها إزاء الصين, فقد إنجرت أوروبا بالحرب الروسية- الأوكرانية نتيجة الضغوطات الأمريكية , وها هي تحصد نتائج هذا التدخل ببداية إنهيارات في الإقتصادات الأوروبية.
الخبير الإستراتيجي في مجال السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا
م.مهند عباس حدادين