مسار الهدوء والسكينة في وادي ويدعة
عبدالرحيم العرجان
09-04-2023 02:43 PM
مع اختلاف الروايات في أصل تسمية الوادي إلا أن الهدوء والسكينة هما الفارق الكبير بينه و بين الأودية الأخرى.
كنّا قد عزمنا الخروج بشهر البركة والصيام حيث يصعب القيام بمسارات طويلة لحاجة الجسم للسوائل تعويضاً عما يفقدة خلال اليوم بالجهد الاضافي، حيث أن جسم الإنسان غير قادر على تخزين الماء كما يعتقد البعض حتى لو شرب منه كميات إضافية قبل آذان الفجر بل يتخلص منه لشدة ضرره على الأعضاء الحيوية أن تجمعت فية.
كان خيارنا أن نقوم بمسار استجمامي محدود المسافة ما بين نقطة الانطلاق و العودة بوقت لطيف بعد العصر ودافىء نسبياً لما بعد الغروب و الليل كوننا في بدايات فصل الربيع وخواتم الشتاء مع التأكد الجازم من عدم هطول أمطار كون بطن الوادي محدود المساحة و بلا مهارب.
فبعد مرورنا بموقع باب الذراع الاثري العائد للعصر البرونزي و خير شاهد على كثافة الوجود الإنساني لما قبل الحضارة في المنطقة، سلكنا لوجهتنا الطريق الرابط بين الكرك وغور المزرعة والمعروف بالخرزة، وصولا لغايتنا وادي ويدعة ابتدائا من التقاء السهل مع الجبال العتيدة بارتفاع 20 متر تحت سطح البحر، حاملين ما تيسر من طعام الافطار و بعض التجهيزات للمسير الليلي من إضاءه الرأس وبعض الملابس الاضافية كون المسار بمجرى الوادي الدائم الجريان على مدار العام، لندخل من على الكتف الاسمنتي للعبّارة التي تم عمارتها لجر مياة الوادي لري المزارع القريبة، والمضاف إليها حماية حديديه لكثرة المتنزهين قاصدي المكان.
فما أن تدخل جوف الوادي حتى تتغير الجيولوجيا بين أطواد و شوامخ تعلق على أكتافها نخل بري متمسكا بجذوره القديمة بين الشقوق وفي باطنه كثر الدفلى والطرفا المعروف بفوائده لعلاجه للامراض الجلدية والكبد وتخفيف الحمى والصداع كما ومنقوعة كان يستخدم للتخلص من القمل.
اخذنا الطريق مجتازين عدد من المساقط المائية البسيطة الارتفاع وبعض العوائق السهلة التي لا تحتاج لمهارة وصولا لبركة الماء الدافىء والمتكونة نتيجة عين الماء المعدنية التي تنبع منها حيث أضاف الأهالي إليها جدار بسيط من الحجارة و الطين لرفع منسوبها لغاية الإستجمام و الإستمتاع بمائها المعتدل الحرارة على مدار العام، و بين هنا وهناك تجمعات محدودة لمياة كبريتية تنبع من شقوق الصخر و قواعد الجبال.
استكملنا طريقنا وصولا للصخرة المعلقة التي قد تكون تسمية الوادي نسبة لها والتي تقف حائلا لاستكمال المسير لكيلو متر اضافي آخر و التي تتطلب مهارات في التسلق و كيفية التثبت بينها و بين جدار الجبل فمنا من صعد و منا من بقى لإعداد طعام الإفطار بالمساحة القريبة منها.
وبعد تجهيز موقع استراحتنا و إيقاد النار في موقدنا لاعداد الطعام و القهوة بما وجدنا من حطب وقصيب مع مراعاة عدم تحريك الحجارة من مواقعها خشية أن تكون بيوتا لبعض الحشرات و التي نحرص من لدغتها.
فما أن جن الظلام حتى تعالا نقيق الضفادع الممزوج بخرير الماء لنكمل سهرتنا بهذه السمفونية الطبيعية والذي قد يكون أيضاً سببا في تسمية الوادي لوداعته وهدوئه، وكلا الرّوايتين كانتا على لسان الأهالي القريبين من غور المزرعة والكرك.
ومع انتصاف الليل حزمنا أدواتنا و أنرنا أضويتنا لتي لم نستخدمها لكفاية نور كواكب السماء، عائدين لنقطة البداية مرتكيزن على عصي المسير خشية التّعثر و بيان عمق الماء متمّمين ثلاثة كيلو مترات ونصف بسلام وفارق ارتفاع 75 مترا.