لا توجد دولة في العالم تستطيع الاكتفاء الغذائي ذاتيا مهما عظمت مواردها، لكن تستطيع تحفيز إنتاج الغذاء بتنمية قطاع الزراعة عن طريق تنمية الموارد (الأرض والمياه والطاقة والعمالة والتمويل والبحث العلمي)، وتطوير الإنتاج والتسويق وتحفيز الصادرات الكلية، وهذا يتطلب توجه نحو استدامة الطاقة والغذاء والمياه والبيئة باعتبارهما عناصر ترتبط بالتعاون الاقليمي ومن ثم العالمي.

إن مشكلة الفجوة الغذائية لم تعد مجرد مشكلة اقتصادية وزراعية فحسب، بل تعدت ذلك لتصبح قضية سياسية استراتيجية ترتبط بالأمن القومي والإقليمي، لدرجة أصبح الغذاء معها سلاحا في يد الدول المنتجة والمصدرة له، لذلك تبنت المملكة استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة، وقطعت شوطا كبيرا في تحقيقها، حيث أصبح البعد الاقتصادي يحتل أهمية خاصة من حيث زيادة العوائد والقدرة على المنافسة، لتحقيق التوازن الغذائي بما يكفل ديمومة الموارد وحفظ حقوق الأجيال القادمة فيها، ويؤمن ظروف التنمية المستدامة من الناحية الاجتماعية.

حيث يواصل القطاع الزراعي في الأردن، تحقيق إنجازات عدة، شملت تنفيذ العديد من المبادرات الاستراتيجية للأمن الغذائي أهمها: تأسيس المجلس الأعلى للأمن الغذائي، واعتماد جهة محددة لبحوث الأمن الغذائي، وإنشاء قاعدة بيانات موحدة للأمن الغذائي، إضافة إلى تأسيس صندوق لتسريع الإنجاز والاستثمار في مجالات الأمن الغذائي، وتطوير وتحديث عمليات إنتاج الغذاء، وتبني أنظمة الإنتاج الذكية مناخياً، والحد من الفاقد والمهدر من الغذاء، وتعزيز المخزون من السلع الاستراتيجية والأساسية في القطاعين العام والخاص، وإنشاء مركز إقليمي للأمن الغذائي، وتفعيل الشراكات مع القطاع الخاص ودول الإقليم، وإصدار تقرير سنوي عن حالة الأمن الغذائي في الأردن، ليصبح الأردن مرصدا إقليميا للأمن الغذائي.

وترجم نجاح تنفيذ الخطة الوطنية للزراعة هذه الانجازات، ليسجل قطاع الزراعة أرقام نمو مرتفعة في عام 2022 بلغ حوالي 5.7 % والقيمة المطلقة للناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية بلغت حوالي 1573 مليون دينار، وادت الى نمو القيمة المضافة في القطاع الزراعي بالأسعار الجارية بمعدل 29.3 % مقارنة مع عام 2021 لتسجل حوالي 1488 دينار، وهو معدل اعلى من معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية، وتقدر المساحة الإجمالية المزروعة في المملكة نحو 2.8 مليون دونم تشكل ما نسبته 3 % من مساحة المملكة.

وارتفعت صادرات الخضار والفواكه بنسبة 6 %، والاغنام 10 %، وبصادرات وصلت اكثر من 800 مليون دينار في عام 2022، وهذا يجعل من القطاع الزراعي رافعة للاقتصاد الوطني ودافعا للنمو ومصدرا لجذب الاستثمار وتحقيق الامن الغذائي بمقياس النمو وفق بيانات دائرة الاحصاءات العامة.

كذلك، عكست هذه النتائج على تصنيف الأردن، حيث حلّ في المركز 47 عالمياً بين 113 دولة في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2022، الصادر عن مجلة «الإيكونوميست» والذي صدر مؤخرا متقدما نقطتين عن العام الماضي 2021 حيث كان في المركز 49. حيث يندرج تحت المؤشر الكلي 58 مؤشرًا فرعيًا لقياس محركات الأمن الغذائي لـ113 دولة يشتملها المؤشر.

وتتماشى هذه الانجازات مع رؤية المملكة الاقتصادية، التي تركز على تطوير وتمكين القطاعات الواعدة، ومن ضمنها قطاع الأغذية والزراعة، إلى جانب توطين التقنيات الزراعية الجديدة، حيث تشير بيانات البنك الدولي، إلى أن الأردن يستورد غذاء بقيمة 4 مليارات دولار سنويا، وبالتالي تطوير الصناعات الغذائية بالشراكة مع القطاع الخاص سيساهم في تحسين الميزان التجاري للمملكة، خصوصا أن الأردن قادر على توسيع الزراعة في 52 مليون دونم في حال توفر مياه للري وإجراء بعض الاستصلاح عليها.

وهنا يتعاظم دور قطاع الزراعة في الاقتصاد الوطني من خلال التركيز على تطوير منظومة الأمن الغذائي وسلاسل القيمة للمنتجات الزراعية والغذائية حيث تشير تقارير البنك الدولي الى انه بالرغم من انخفاض نسبة مساهمة قطاع الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي للأردن، إلا ان سلسلة القيمة الزراعية والغذائية تمثل 15-20 % من الناتج المحلي الإجمالي وتوظف أكثر من 15 % من السكان النشطين في الأردن، وكذلك توظف الزراعة 52 % من النساء اللواتي يعشن في المناطق الريفية.

القطاع الزراعي يشغل أكثر من 76 ألف عامل وعاملة يشكلون 5.5 % من إجمالي القوى العاملة في الأردن، ومن المقرر أن يصل عدد العاملين في القطاع الزراعي في رؤية التحديث الاقتصادي إلى 144 ألف عامل وعاملة بحلول 2033، خصوصا ان الناتج المحلي الإجمالي لكل عامل نحو 19.5 ألف دينار، وهو أعلى بنحو 3 % من المتوسط الإجمالي للعمالة.

يستطيع القطاع الزراعي في الأردن رفع معدلات النمو إذا تمت معالجة ما يواجهه من تحديات كبيرة من كلف الطاقة واستخدام مصادر مياة متنوعة. ومن الأولويات أيضا؛ تحسين القيمة الغذائية المضافة للقطاع بتطوير البنية التحتية لسلسلة التوريد، وفرص الصناعات الغذائية، وتحسين التسويق الزراعي للصادرات، وتقليل الفاقد الزراعي والغذائي من خلال التحول الرقمي لاستدامة الأمن الغذائي في عموم البلاد.

الغد