بالامس القريب كنا في زيارة الى أحد الاصدقاء في محافظة الكرك، وبعد انتهاء الزيارة عرجت أنا وبعض الاصدقاء العائدين الى عمان لزيارة مقامات الصحابة الاجلاء في مؤتة العز والكبرياء..
مؤتة التي كانت على موعد مع قاماتٍ إسلامية عالية تمثلت بمعركة إسلامية لا تنسى بكل المقاييس.
مؤتة الروم والفتح الاسلامي.. مؤتة الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ... وعلى ما عاهدوا رسولهم عليه.. فوفاهم الله أجورهم بغير حساب.
تقف أمام هؤلاء الأجلاء من جعفر الى عبدالله الى زيد الى المئات الذين لم يدونهم التاريخ لنا، فتجد عطر دمائهم ما زالت تعبق بالمكان، وما زالت أصوات حناجرهم التي تصدح الله أكبر تعج في تلال مؤتة الشماء،
وما زالت خطة خالد بن الوليد العسكرية ترتسم على طرقات الأضرحة لتعود بمن تبقى ممن وقفوا في وجه عتاوية الروم ... وإذا نظرت الى السماء تجد بواباتها ما زالت مفتوحة ترتقب الصادقين من أبناء وطني ليلتحقوا بركب من غادروا الى جنات الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
مؤتة الرجال الذين تحلقوا حول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، يستمعون الى حديثه عن عامود الايمان الذي احتمل من تحت رأسه وهو نائم فعمد به إلى الشام، ليكون أماناً وإيماناً حين تقع الفتن بهذه الأرض التي تضم أردن الصلابة والرجال الصناديد، وفلسطين الجريحة، وسوريا المكلومة بظلم أهلها لها، ولبنان التي دمعت عينها لتخاصم أبنائها.
هؤلاء الرجال الذين قدموا لهذه الأرض محبةً لله ولرسوله.... مؤتة الأردن هي نفسها مؤتة الإسلام ... لا فرق بينهما...
قفلنا راجعين الى عمان وبينما كانت السيارة تسير كنت أنظر الى هذه الصحراء التي تقهر الصبر والتحمل ورغم ذلك كان هؤلاء الرجال الذين يرقدون في هذه الأرض بسلام كانوا يجوبونها ليحملوا مبادئ الاسلام وليدفعوا بها الى أبعد مسافة عن منبع الدين المتمثل بالرسول العظيم صلى الله عليه وسلم.
وكنت كلما حلقت بنات أفكاري بعيداً أعود لأضبط إيقاعاتها فأجد أن أرض الأردن قدرها دائماً أن تكون موئلاً لكل العظام، وكل المسافرين الى السماء بعناية الله ورعايته ورضائه... وكل المدافعين عن المبادئ السامية ..
وكأن الله سبحانه كان يدفع بهذا الجمع ليفترشوا عباب هذه الأرض وليكونوا قدوة لما تنتظره من مكانة عالية .... سبحان الله ... حتى الأرض بعضها خيرٌ من بعضها.. وكلما أمعنت التفكير ودققت في مخزون الثقافة عندي وجدت أن معنى الأردن الأرض الصعبة المراس، لا لوعورتها وبؤس حالها ولكن لصعوبة تحمل مسؤولية العيش فيها ... فهذه الارض لا يعيش فيها الا من يستطيع أن يفيها حقها من الحب لترابها، والاخلاص لثوابتها، والوفاء لمبادئها، والعشق لسماحتها عندما اتسع صدرها لغوث كل المكروبين من العرب والمسلمين، فغدت واحة الأمن التي تموج ترفاً في صحراء الإقليم المليء بالقهر والتخلف والظلم والمؤامرات.
هذه هي الأردن التي تتكسر على صخورها كل المظالم والتي ينبت في صحرائها نباتات القيصوم والبلان والحرمل والحنظل التي تستخدم كأنجع العلاجات لأصعب الأمراض تبتلى اليوم بمرض بعض أبنائها عندما سرق خيراتها وفضل ذاته الأنانية على حاجة الآخرين، فكان ماكرا ومتسلقا وسارق، واستغل انشغال الوطن بمعالجة جراحه التي سببها سهام الفاسدين والسارقين، ليستقوي ويطالب بمزيدٍ من الامتيازات على حساب لحظة الألم وبرهة الوجع.
فمتى يعود العقل الى هؤلاء كي يعرفوا بأن نعمة الوطن خير من كل الامتيازات والمطالبات، اسألوا الذين نستضيفهم على أرضنا الطاهرة من إخوتنا العرب بعدما جار عليهم إخوة أوطانهم عن قيمة الوطن، وعن موقعه في قلوبهم وكيف يحنون اليه صباح مساء ...
إسألوهم كيف سرقت لحظة التهور منهم قيمة الوطن ... إسالوهم ماذا يعني اللجوء، وماذا يعني أن تصبح بلا سماء ولا أرض الوطن ... أعانهم الله على مصيبتهم.
الأردن حالة خاصة ... وقدرٌ محتوم من الله سبحانه ... وموعدٌ مجتبى مع الأخيار الطامحين لنيل العز والثبات من المخلصين أبناء عشيرتنا الأردنية الواحدة المنصوبة كرماح الكبرياء والسؤدد في مدننا وقرانا ومخيماتنا وبوادينا. هذا هو أردننا وسيبقى الى الأبد إن شاء الله واقعة الخير والكبرياء التي سيحويها ثراه ... وعلى عتباتها سيعود الزمان يرسم بواكير الفرح ويضع أكاليل النصر ... ولن يضيرنا من جاء ومن عاد، فهذه الأرض أمٌ رؤوم وصدر حنون وبقايا من سلاقات الثورة العربية الكبرى التي أسست جيشاً عربياً قامت على شاكلته دولةً أردنيةً لا تغلق أبوابها في وجه مظلوم ولا ترفض إنساناً مكلوم، وهذا هو الدستور الذي أراده الله لهذه الأرض ليجمع الناس المؤمنين في بلد اليقين ليكونوا فسطاط الحق الذي سيملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جورا.
حماك الله يا وطني ... يا من حملت روايات الفتح الأول وغرست رايات العز في نفوسنا وزرعت مقولة أن الإنسان ما دامت تحته أرض صلبة تبقى هامته عالية ... ولن نخذلك يوماً لأننا أبناءك الصالحين