في اليوم العالمي للمياه .. تعزيز قدرات التخطيط بالأردن
المهندس إياد الدحيات
06-04-2023 02:28 PM
شارك الأردن دول العالم الاحتفال بيوم المياه العالمي الذي يصادف كل عام في 22 آذار، وهو لا يزال يواجه عدداً من التحديات التي جعلته من أفقر دول العالم مائياً، ومما يزيد من تفاقم هذه التحديات عبر السنوات النمو السكاني السريع نتيجة لجوء الأشقاء من الدول المجاورة والآثار السلبية لتغير المناخ وازدياد الطلب على المياه نتيجة سير المملكة قدماً في مسيرتها نحو النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.
وتنفيذاً لتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني -حفظه الله- قامت الحكومة بإطلاق استراتيجية طويلة المدى لقطاع المياه لغاية العام 2040 تتضمن مجموعة من الأهداف المحورية والغايات المحددة، التي ستكون بمثابة خارطة الطريق تساهم في التنسيق والتخطيط والتنفيذ لإدارة موارد واستخدامات المياه بتشاركية مع مختلف الجهات المعنية. ومن الأهمية بمكان تبني بعض المبادرات التي تتكامل مع هذه الاستراتيجية ومع رؤية التحديث الاقتصادي وتبني على التجارب والظروف التشغيلية الطارئة التي تعايش معها قطاع المياه خلال السنوات السابقة.
إبتداءً يجب تأسيس منصة مائية في وزارة المياه والري تعمل كنظام متكامل لتزويد أصحاب القرار والمختصين والجهات المعنية بأهم المعلومات لتوظيفها في التخطيط الاستراتيجي والاستشراف المستقبلي وإعداد السيناريوهات، ولتخصيص المياه ما بين القطاعات والاستخدامات المتنافسة (الزراعية والصناعية والمنزلية) في الأمد القصيرة والمتوسطة والطويلة، بما يتوافق مع الأهداف والمؤشرات ومحركات النمو الواردة في رؤية التحديث الاقتصادي، وإدارة وتخطيط الموارد المائية من خلال إعداد الموازنات المائية القطاعية وتقييم حجم الطلب على المياه والكميات المتوفرة في المستقبل القريب ومراقبة الموارد المائية واستخداماتها. ولعل توفير مصادر الاستدامة المائية للمدينة الجديدة المنوي إقامتها شرق منطقة الموقر مثال مهم لضرورة السير قدماً لاعداد خطط وسيناريوهات تطوير مصادر المياه وتأمينها للمشاريع الضخمة في كافة القطاعات.
ومن المبادرات الهامة رفع جاهزية قطاع المياه لإدارة حالات الطوارئ واستمرارية تقديم خدمات المياه والصرف الصحي لمواجهة أي ظروف طارئة غير طبيعية أو تعطّل في العمليات اليومية الطبيعية (كما حدث في بداية الأزمة السورية عام 2011 وزيادة الطلب على كميات المياه بنسبة 40% وأثناء أزمة جائحة كورونا عام 2020 وما ترتب عنها من توقف عمل المرافق العامة جزئياً)، سيكون ذلك من خلال استخلاص الدروس المستفادة سابقاً ودراسة كافة المخاطر التي يمكن أن تقع وتعطل سير العمل في كل خطوة من خطوات سلسة تزويد المياه وإجراء تخطيط دوري للمخاطر بمشاركة كافة الجهات المعنية وتحديد مرافق المياه الحرجة وادراجها في سجل المخاطر، كما يجب تخطيط وربط المحافظات بمصادر تزويد مياه بديلة وبالخط الناقل الوطني (المنوي تنفيذه قريباً) ومراجعة جاهزية الخطط لمواجهة حالات الطوارئ على مستوى المحافظات، وتوسيع سعة تخزين المياه الاستراتيجي لتلبية الاحتياجات التشغيلية بما فيها خطط التخزين الجوفي، والاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر والاستجابة.
وفي محور الاستدامة المالية، تبرز الحاجة لبناء الشراكات الاستراتيجية مع الشركات الدولية المتخصصة في مجال إدارة مرافق المياه للاستفادة من خبراتها في إعادة هيكلة سلطة المياه وشركات المياه المملوكة للحكومة(مياهنا، اليرموك والجنوب-العقبة) بهدف تخفيض خسائرها المالية التي بلغت عام 2022 ما يزيد عن 400 مليون دينار أردني، واسترداد الكلف التشغيلية، وتحولها لمؤسسات مرنة وادخال وتطبيق الخطط والأنظمة الإدارية والبشرية الحديثة والتقنية المتقدمة لرفع الكفاءة التشغيلية وتقليل الفاقد المائي وإدارة كافة الأصول وفقاً لأفضل الممارسات العالمية.
ومن التجارب الناجحة التي تم تطبيقها سابقاً نظام دعم الكهرباء الإلكتروني للمشتركين المنزليين الأردنيين، حيث يساهم تطبيق نظام مماثل في قطاع المياه في إيصال الدعم المالي مباشرة لمستحقيه حسب دخل الأسرة بدلاً من الخوض في إعادة هيكلة تعرفة المياه التي قد تضر بالأسر الفقيرة بدلاً من أن تحميها. إضافة لذلك، يجب العمل على دراسة كلفة اشتراكات المياه والصرف الصحي الجديدة مقارنة بالكلف الرأسمالية لتنفيذ مشاريع الآبار والشبكات والمحطات والمرافق الأخرى الأساسية، وتعديلها بما يضمن استرداد الكلف الحقيقة بشفافية دون تحميل الموازنة العامة أو المواطن أية أعباء مالية إضافية.
وبهدف تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين تنفيذاً لخارطة تحديث القطاع العام، يجب أن يتم تطوير الأدوات التنظيمية والرقابية داخل وزارة المياه والري، لاعداد ونشر مراجعات تفصيلية وتوصيات تنفيذية حول أداء ونوعية خدمات المياه والصرف الصحي المقدمة من شركات المياه المملوكة للحكومة ومدى التزامها مع مبادئ الحاكمية الرشيدة. وحيث أن الحكومة تمتلك أصول قطاع المياه وتقوم هي ذاتها بتمويل إنشاء البنى التحتية والتشغيل من مصادر التمويل المتعددة ومنها المنح والقروض الإنمائية، تنتفي الحاجة لإنشاء هيئة مستقلة جديدة تختص بتنظيم قطاع المياه، حيث تم تأسيس الهيئات التنظيمية في قطاعات أخرى سابقاً (الكهرباء والاتصالات) لغاية تشجيع الاستثمارات الخارجية والتمويل من القطاع الخاص لإنشاء البنى التحتية والتشغيل وتقديم الخدمات بجودة عالية، ولضمان حماية المستخدمين وحصول القطاع الخاص على مردود مالي عادل.
ومن الضروري أن يتم تطوير نموذج اقتصادي كمي لقياس الفوائد الرئيسية لتنفيذ الاستراتيجية لكل من قطاع المياه واقتصاد المملكة بما في ذلك المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص العمل المباشرة وغير المباشرة والحد من التلوث البيئي والامتثال لخطط التغيير المناخي المحلية والدولية. ويعمل النموذج كذلك على تقييم النفقات الرأسمالية لتطوير مصادر المياه وتجديد الأصول من آبار وشبكات ومحطات، بالإضافة للتكاليف التشغيلية التي تشمل تكلفة طواقم العمل، والصيانة والزيادة في تغطية شبكة المياه والصرف الصحي، مع مراعاة الابعاد الاجتماعية للمياه القائمة على نهج المشاركة مع أصحاب المصلحة والمجتمعات المحلية في صنع القرار واتباع آليات مثل الدراسات الاستقصائية والاستكشافية والتعاونية والمشاريع التجريبية التي تساعد في ضمان استخدام المياه بشكل أكثر كفاءة وإنصافاً.
ختاماً، يجب التأكيد على أن استراتيجية قطاع المياه وثيقة حية ومرنة قابلة للتعديل وإعادة التوجيه حسب واقع الحال، حيث من الصعوبة بمكان التنبؤ بكافة العناصر والمؤثرات الداخلية والخارجية التي ستحكمها لغاية العام 2040. والخطوة القادمة هي البدء بإعداد جداول المشاريع التفصيلية وخطة التنفيذ لهذه الاستراتيجية مع بيان كافة المعلومات عن الجهات المسؤولة عن التنفيذ، والمدة الزمنية والتكلفة المقدرة ومؤشرات الأداء الرئيسية والمخاطر ورصد التقدم والابلاغ عنه بما يتوافق مع المدد الزمنية للبرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، إضافة لنشر الوعي لدى كافة العاملين في قطاع المياه من خلال وسائل الاتصال المتوفرة والبدء بالتدريب والتطوير لرفع القدرات البشرية وإدارة عملية التغيير بشكل منهجي مؤسسي عابر للمسؤولين.
المهندس إياد الدحيات / الأمين العام الأسبق لسلطة المياه