مثيرة للرثاء بيانات الإدانة والشجب، تلك التي تبارى الناطقون الرسميون العرب لإطلاقها في وجه الصهاينة القتلة، مثيرة أكثر للشعور ببؤس مطلقيها وعجزهم، وهوانهم على شعوبهم، وكأني بهم أطلقوا أعلى ما في جعبتهم، أما تلك الأصوات لتي تستنجد بما يسمى "المجتمع الدولي" لحماية مسرى نبيهم وأبناء جلدتهم، فهي ذروة سنام الكوميديا السوداء، لأن من يستنجدون بهم هم أنفسهم حماة القتلة ورعاة الإرهاب الذي تمارسه "دولة" القتل والعدوان!.
لأ أعرف ما شعور الناطق الرسمي العربي وهو يستدعي من جيبه تلك العبارات البلهاء التي لا تساوي السعرات الحرارية التي صرفت في كتابتها، ولكنني أعرف، ومعي ملايين العرب والمسلمين، أنه لو كان ثمة ذرة حرقة حقيقية على الأقصى والقدس وحماتها في نفوس الشاجبين المستنكرين، لفعلوا شيئا مغايرا، غير تلك السلوكيات المهترئة، المستهلكة، البالية، فالزمن لم يتجاوز تلك السلوكيات فقط، بل إن النار التي يحاول أولئك وهؤلاء استنكارها، باتت قاب قوسين أو أدنى من حرق ملابسهم، النار التي يشعلها غلاة الصهاينة في القدس لا تستهدف المقادسة ولا المعتكفين فقط، تلك النار هي إيذان بحرب لا هوادة فيها ستزلزل كل الكراسي التي يجلس عليها السادة "الشاجبون" المستنكرون، فعدوهم اليوم ليس هو عدو الأمس الأملس، ذي القفاز الناعم، عدوهم اليوم خلع قناع السياسة والمجاملة، وأعلنها جهارا نهارا، هاتكا ستر السرية عن مشروعه الصهيوني الكبير، الذي لا ينظر لا إلى اتفاقات ولا معاهدات ولا حتى تنسيقات أمنية، ولا مشروعات مشتركة، عدوكم اليوم جاءكم شاهرا سيفه، وما يفعله في القدس مجرد "تحرش" بكرامتكم القومية، لقياس مستوى الحرارة والحرية فيما تبقى من دم في وجوهكم، ومتى علم أن "تدريباته" بالذخيرة الحية في محاراب الأقصى لا تستفز غير بيانات الشجب والاستنكار، فسينتقل إلى القسم التالي من هجمته على كل ما يحول دون بناء مملكة صهيون الكبرى، غير مراع لا اتفاقات ولا تفاهمات!.
أضعف الإيمان الذي على أصاب الشجب والاستنكار فعله، هو وقف كل تعاون أو تنسيق مع العدو، فليس مطلوبا منهم ما لا يستطيعونه، ليس مطلوبا منهم إعلان حرب لم يعدوا لها عدتها، بعد أن بنوا جل حياتهم واستراتيجياتهم على وهم السلام والاستسلام، فقط مطلوب منهم اليوم أن يدافعوا عن أنفسهم، وحدودهم، لأنه في الوقت الذي يفرغ فيه القتلة من خط الدفاع الأول عن الأمة في القدس وما جاورها، ستنهش لحومهم قطعان القتلة من شذاذ الآفاق وعصابات الإتسل والهاجاناة في طبعتها الجديدة، مطلوب منهم أن يتوقفوا عن تقديم فروض الصداقة و"الأخوة" لمن لا يريدون شريكا إلا قتيلا أو عبدا! .
دارت دورة الزمان كاملة، وانتهى عصر الشجب والاستنكار، والاجتماعات الطارئة لجامعة عربية لم تجمع في كل تاريخها إلا عجزا متراكما، وخذلانا معتقا، فيا أيها الشاجبون المستنكرون، لا تدافعوا عن القدس والأقصى والركع السجود، دافعوا عن أنفسكم قبل أن يعلن بن جفير النفير المنتظر، ويذبح قرابينه ليس في ساحات الأقصى فقط، بل في ميادين وساحات بلاد العرب قاطبة!.