بخصوص الإصلاح الإداري في الأردن
اللواء محمد البدارين
05-04-2023 11:53 PM
لا داعي ، لربط مسار الإصلاح الإداري ، بالمسارات الإصلاحية الأخرى ( السياسية والاقتصادية وغيرهما ) ، فكل هذه المسارات ، ذات أهداف غير ممكنة او صعبة التحقيق في المدى القصير والمتوسط ، وستبقى محل جدل بين الأطراف المختلفة وتحتاج لبذل مجهودات متواصلة ومتراكمة على مدى زمني غير متقطع وطويل نسبيا ، ولا يمكن تحقيقها بالقوانين والقرارات والاوامر لوحدها.
اما الإصلاح الإداري ، فكل أهدافه ، تقريبا ، قابلة للتحقيق في وقت قصير وبجهد اقل ، بل ان هذا المسار بالذات هو الذي يمكن تحقيق أهدافه ، بواسطة القوانين والقرارات والاوامر والتعليمات ، شريطة ان تكون النوايا في المستويات الرسمية العليا سليمة وجادة ، فهو اصلاح من فوق لا من تحت في معظم تفاصيله وشؤونه ، بخلاف المسارات الأخرى.
ويعرف المتصلون بالواقع الفعلي ، ان الوضع الإداري الراهن في مؤسسات الدولة عامة ، بحالة جيدة او مقبولة ، خاصة اذا ما قورن بالوضع في الكثير من الدول النظيرة ، وهو قابل للتحسين الفوري ببلاغ حكومي جدي واحد ، ولا تزال القوى البشرية في المؤسسات الأردنية ، عموما ، منافسة وذات كفاءة وخبرة ونزاهة ، الى حد كبير ، بل ان ما ظل يحمي جهاز الإدارة العامة في الأردن ، من تفشي الفساد وتدهور الخدمة واضطراب المرافق العامة ، يعود سببه بالدرجة الأولى لطبيعة الموظف العام في الأردن والتزامه بأخلاقيات الوظيفة العامة.
والحقيقة ، ان غالبية الكوادر العاملة في المؤسسات الأردنية تتمتع بالكفاءة والخبرة والنزاهة ، وهي منحازة بطبيعتها لقواعد العمل الصحيح ، وأكثر ما تحتاج اليه لتحسين أدائها ، هو القدوة المقنعة في المستويات الإدارية العليا ، التي تقع عليها مسؤولية العديد من الاختلالات الإدارية ، بسبب عدم الكفاءة الناتجة في معظم الأحيان عن سوء اختيار القادة الإداريين ، وخاصة أولئك الذين يجري تعيينهم من خارج المؤسسات.
لا يتسع المجال ، للدخول في التفاصيل والامثلة الواقعية الحية ، كما ان معظم الناس يعرفون ما يكفي من هذه الأمثلة والتفاصيل ، وسنكتفي بالإشارة الى أزمة الخطوط الامامية (front desk)ليس فقط في المؤسسات العامة ، بل أيضا في مؤسسات القطاع الخاص ، فحتى البنوك التجارية تختار الموظفين الجدد الأقل خبرة ومعرفة وعديمي الصلاحيات ، للعمل في الخطوط الامامية ، بينما تقبع المستويات الإدارية ذات المعرفة والخبرة والصلاحيات في الطوابق العليا المغلقة.
وأسوأ شيء ، في هذه السياسات الإدارية المتبعة ، منذ زمن طويل ، ما كان يقع ولا يزال في المدارس العمومية ، حيث توكل للمعلمين الجدد والاقل تأهيلا وخبرة ، مهمة تعليم الصفوف الابتدائية ، مع ان العكس هو الصحيح ، ويمتد الحال الى واقع مكاتب الاستعلامات في معظم المؤسسات والمرافق العمومية ، حيث تسند هذه الوظيفة الحساسة لأي أحد ، واحيانا الى لا أحد ، ويشار هنا الى ان الإدارة الحديثة تولي أهمية كبيرة للعاملين في مكاتب الخط الامامي في المؤسسات العامة والخاصة.
على ان الإصلاح الإداري ، بإجماع علماء الإدارة ، لا يمكن ان ينجح ، ما لم تؤمن به وتتبناه وتدعمه الإدارات العليا في المؤسسات ، كما ان معظم الأبحاث العلمية في حقل الإدارة تتمحور حول موضوع القيادة في المنظمات الإدارية ، فهذه الوظيفة ، هي العنصر الحرج في نجاح المؤسسة او فشلها.