جيفري ساكس في الأردن .. نحو توجه تنموي جديد
باتر محمد وردم
15-12-2010 02:53 AM
زار الأردن في الأسبوع الماضي البروفيسور جيفري ساكس ، مدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا الأميركية والمستشار السابق لأمين عام الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة ، وهو الباحث والناشط الذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية بأنه "أهم اقتصادي في العالم".
زيارة جيفري ساكس تضمنت محاضرة في مقر جامعة كولومبيا للأبحاث في الشرق الأوسط والتوقيع على اتفاقية رعتها الملكة رانيا ونسقتها وزارة التخطيط لإنشاء معهد خاص للتنمية المستدامة في جامعة كولومبيا سيقدم المشورة والدعم لوزارة التخطيط في تصديها لتحدي معالجة جيوب الفقر في الأردن.
هذه ليست مجرد تجربة جديدة في التفكير التنموي ، بل ببساطة الدخول في أفضل وأكثر منهجية تنموية ثبت جدواها في محاربة الفقر في العالم.
لقد تمكن جيفري ساكس والمؤمن تماما بإمكانية القضاء على الفقر في العالم من خلال تجربة منهجية التنمية المستدامة من إثبات هذه الإمكانية من خلال مشاريع وبرامج في 100 دولة في العالم ولكن النقلة النوعية المطلوبة هي في أن تؤمن الدولة والسياسيين فيها بتجربة هذا النموذج ، وبالتالي فإن الشراكة ما بين معهد الأرض ووزارة التخطيط تبدو واعدة جدا.
لقد جرب الأردن في السنوات الماضية وصفات الانفتاح الاقتصادي الليبرالي والتي زادت من التباين في الدخل ولم تحقق معالجة جذرية لمشاكل الفقر والتنمية وقد حان الوقت الآن ولو متأخرا لتجربة منهجية جيفري ساكس ضمن السياق المحلي الأردني.
يؤمن جيفري ساكس بأن إنهاء الفقر يتم من خلال الإستثمار في رأس المال البشري ولكن بطريقة مستدامة توازن ما بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ضمن السياق المحلي وهو ليس من المؤيدين لوصفات صندوق النقد الدولي والمنبثقة من إجماع واشنطن ويعتبر من أهم المنظرين وراء تحديد الأهداف الأنمائية الألفية التي أقرها قادة العالم في العام 2000 من أجل إنهاء مشاكل الفقر والجوع وغيرها من تحديات التنمية بحلول العام ,2015
وينطلق ساكس فس مقاربته لتحديات الفقر من ضرورة استثمار الموارد المتاحة في القارات المختلفة وهو يؤكد أن قارة افريقيا مثلا يمكن أن تخرج من الفقر خلال 20 سنة من خلال التركيز على تقوية قطاع الزراعة وأن تصبح سلة غذاء العالم مع بعض الدعم من الدول الصناعية لتمكين الزراعة المحلية بشكل اساسي وبالتالي زيادة دخل المزارعين والمجتمع المحلي. كما يؤمن بأهمية القروض الصغيرة لدعم المشاريع الإنتاجية ولا يجامل أبدا في أن كل هذه الأنماط من التنمية يجب أن تكون مستندة إلى حماية الموارد البيئية والطبيعية وأن النمو الاقتصادي لا يمكن أن ينجح في حال تسبب في دمار هذه الموارد.
تقوم رؤية ساكس على فكرة محورية هي إقناع أو إجبار الدول الغنية على مساعدة الدول الفقيرة وفق برنامج زمني محدد وواضح ينتهي عام 2025 حين يخرج من تحت خط الفقر العالمي المليار فقير وأكثر.
يدرك ساكس أن مثل هذا الطموح يتطلب جهوداً جبارة ، لكنه يراها غير مستحيلة ، ويشترط فيها أن تكون جماعية وشجاعة وفيها قدر من الحرص على مستقبل الكرة الأرضية. الأطروحة لا تنطلق من أرضية الصدقة وعمل الخير وحسب ، بل تستند إلى أن مصلحة سكان الأرض ، وبالدرجة الأولى المجتمعات الغنية والقوية ، تكمن في القضاء على الفقر الذي إن لم يُقضَ عليه سيظل موطناً لكل الأمراض المعولمة التي لن تنجو منها مجتمعات العالم الصناعي. ومن ناحية عملية ورقمية - وبحسب حساباته - فإنه يرى ان القضاء على الفقر يتطلب تدوير ما بين 70 و 80 بليون دولار سنوياً لتصب باتجاه الدول الأكثر فقراً ، وأن مصدر هذه الأموال يجب أن يكون من الدول الغنية. ويؤكد ساكس أن هذا الرقم لا يبدو كبيراً بالمقارنة مع حجم الإنفاق العسكري الهائل ، حيث أن حرب العراق لوحدها تجاوزت كلفتها حاجز الـ" "300 بليون دولار. ويؤكد ساكس الرقم المطلوب جمعه سنوياً ، أي نحو 70 إلى 80 بليون دولار ، ومن ثم استخدامه لتنمية وتطوير العالم الفقير وإنهاء العوز فيه سيكون عن طريق استقطاع ما نسبته 0,07% من الناتج القومي العام من الدول الغنية وتخصيصه لبرامج القضاء على الفقر.
تجربة منهجية جيفري ساكس في الأردن ستكون مهمة جدا خاصة إذا ما انطلقت من الواقع المحلي وليس من محاولة فرض نموذج خارجي بكل تفاصيله ، ولكن ساكس نفسه لن يقبل بذلك فهو يؤمن بتطور الحلول المحلية ولكن ضمن أطر من المبادئ التنموية التي تشكل الرؤية المطلوبة للنجاح.
batirw@yahoo.com
(الدستور)