السفير الأميركي وسط العاصفة
ماهر ابو طير
05-04-2023 01:45 AM
يخرج السفير الاميركي في عمان بتصريحات اثارت ردود فعل واسعة، اتسمت بالنقد الشعبي لمضمون كلامه في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا، انها تجاوزت في نظر الغاضبين، الحدود الدبلوماسية المعتادة، التي قد نراها في تصريحات السفراء الذين يمثلون دولا مختلفة.
اغلب الانتقادات تمركزت حول فكرة تدخل السفير في الشؤون الأردنية، وحول طبيعة التعليقات التي وجهها السفير الى أداء الحكومات في الأردن، واذا كانت الولايات المتحدة تعد الممول الأساسي للاقتصاد الأردني، فإن التصريحات ذاتها التي وردت في مقابلته مع صحيفة ” الرأي” ذهبت بعيدا الى درجة نقد بنية الاقتصاد، وطبيعة إدارة الحكومات لمهماتها، والذهنية العامة للأردنيين.
تعليقات السفير، اثارت عاصفة من ردود الفعل، كان بعضها متشنجاً، ولم تقبل بكلامه، وربما الحساسية هنا تولدت، من جرأة السفير ذاته، او بسبب القناعة بوجود تطابقات بين كلام السفير، والمؤشرات الرسمية حول السياسات.
يقول السفير في مقابلته، ان اعتماد الكثيرين على وظائف حكومية لن يخلق اقتصادا قويا، بل سيزيد حجم الاعباء على الاقتصاد الاردني، ويوجه الاموال الى دفع الرواتب، وانه من الضروري ان يلعب القطاع الخاص، دورا في رؤية التحديث الاقتصادي، كون الحكومات لن تكون قادرة على استيعاب جميع الكوادر العاملة، وانه لاحظ خلال خدمته في الاردن، ان التوجه من القوى العاملة، هو نحو القطاع العام، حيث سيعملون لمدة عشرين سنة، ثم يحصلون على رواتب تقاعدية، وهذا وضع غير صحي على المستوى الاقتصادي، حيث ان ترك العبء الاكبر على الحكومات في توفير الوظائف، يخلق عقبات اقتصادية، ويؤدي الى هدر الكثير من الاموال العامة.
يلتقي السفير هنا، الى حد ما مع تقييمات الخبراء الاقتصاديين الاردنيين، والسياسيين الرسميين في الاردن، الذين يؤشرون على ان اغلب موازنة الدولة تذهب للرواتب، اضافة الى ان الحكومات لم تعد قادرة على تشغيل احد، وهذا كلام معروف، وليس سرا، ينطقه هؤلاء يوميا في كل موقع.
لكن بالمقابل تناسى السفير أن ادارة هذه الازمة باتت اسوأ من الازمة ذاتها التي طرحها السفير، من حيث قيام الحكومات بالاحالة على التقاعد المبكر، ونقل مشكلة الرواتب من الموازنة الى الضمان الاجتماعي، الذي يتم إثقاله يوميا بوسائل مختلفة، مثلما ان الحكومات هي المتسبب في الاساس بإلارهاق الكبير للقطاع الخاص، بالضرائب والرسوم، والقرارات وعراقيل الاستثمار، فيما تتم مطالبته اليوم بانقاذ الموقف، دون ان ننكر هنا ان كثيراً من الوظائف التي تم ابتداعها في عهود سابق، جاءت في سياق تنفيع اقارب واصدقاء في الحكومة والمؤسسات المستقلة والبلديات والجامعات، وغير ذلك ، مما ادى الى اثقال موازنة الدولة.
حكومات مختلفة، كانت تدرك الازمة، وتحاول ان تقترب من مشاريع هيكلة لموظفيها، أواعادة هيكلة، لكنها اكتشفت استحالة ذلك، لاعتبارات الامن الاجتماعي، وهذا يعني ان الحلول المتاحة، تبدو شبه منعدمة، عدا عن التخلص من عبء الموظفين بنقل تقاعداتهم الى الضمان الاجتماعي، او حتى اللجوء الى التخلي عن ما يسمى الدعم النقدي في الموازنة لقضايا مختلفة، وفقا لما تقوله الارقام، من كهرباء وماء وخبز وغاز وعلاج وغير ذلك.
عاصفة ردود الفعل تعود فعليا، الى ان هناك اعتقادا تولد بعد المقابلة الى ان السفير يطالب الحكومة بحل هذه الازمة جذريا، وتخفيف عبء الرواتب، وهذا يعني اجراءات سلبية محتملة لا يحتملها الأردن، ولا تجرؤ عليها اي حكومة موجودة، بحق الموظفين، واذا كان السفير بدوره سينفي – اذا اضطر- انه يدعو الحكومات للتخلص من موظفيها، ويقوم بمهمة التشخيص لطبيعية الازمة التي نعيشها فقط، تاركا الحل المناسب للحكومات، فإن حساسية التفسيرات تجلب الصداع للسفير، في هذا التوقيت، وللحكومات التي صنعت بالمناسبة هذه الازمة بشكل متدرج على مدى عقود، لكنها تائهة الآن امام الحلول، حين تصل نسبة رواتب الجهاز المدني والتقاعد الحكومي الى 64 بالمائة من موازنة 2023، و16 بالمائة من الموازنة تعود لفوائد الدين فيما نفقات الخزينة الاجمالية 11.4 مليار، والإيرادات العامة المتوقعة 9.6 مليار دينار، والعجز المالي قبل المنح سيصل إلى 2.6 مليار دينار و بعد المنح سينخفض إلى 1.9 مليار دينار.
الغد