الصندوق الأسود (5) .. ضع الأمور في نصابها
د. كفاية عبدالله
03-04-2023 01:36 PM
آن الأوان للأبواب المغلقة أن تتفتح، وغرف المكاتب للأجواء النظيفة أن تتنفس ، وغبار الروتين وركامه أن يتبدد ، ومصادر المعلومات لدى المسؤولين أن يتجدد ، فإنه من غير المجدي أن تستمر في سماع ما تحب الأذن أن تسمع، أو الإنصات إلى ما يزين لك القول بأن الوقع القبيح قد بدا جميلاً وأن الأمور تتحسن، دعك من البطانة التي تغش ولا تنصح ، فإنك لن تسمع سوى صدى نفسك، وشح بوجهك عمن يجيد لحن القول ولكن لا يفعل، وولي وجهتك نحو المواطن كي تسمع ، وبالعزم امضي لكسر الأقفال التي تحول دون سماع صوت المواطن وما يتوقع، فمن كان لك ناصح وإن أغلط القول خير ممن غشك بلحن القول وتبسم.
لا بد لجميع النوافذ أن تفتح ، وقنوات التواصل أن تُفعّل ، فالنسيج الاجتماعي والتماسك المجتمعي يعتمد بشكل أساسي على ثقة المواطنين في إداراتهم المدنية ومن التأكد أن الخدمة والمدنية والسلطة القضائية تعمل من أجل الصالح العام ، وأن يؤمن رواد الأعمال بأن الحكومة شريك استراتيجي موثوق به وتعمل بشكل عادل ويمكن التنبؤ به في ظل سيادة القانون ، كما قلنا ولا نمل القول إن المواطن محور التركيز وروح الخدمة العامة وغايتها، لضمان وصول الجميع للخدمات بسهولة، وإعلام المتعاملين بما يمكنهم توقعه من الإدارات العامة دون المبالغة في قطع الوعود أن كانت الإمكانات لا تفي بالتوقعات، والحرص على الحفاظ بالالتزامات، والاستجابة للاحتياجات بمرونة ، والتكيف مع المستجدات والمطالب المتجددة في عالم متغير وظروف غير مؤكدة.
ولكن هذا لا يعني تشتت الذهن عن الغاية أو القفز متعجلاً للهرولة مع كل ما هو جديداً والميل نحو الموضة أينما حلت ، فمصالح العامة لا تقبل المراهقة والأموال العامة مُحرم عليها المقامرة.
لا بد من الوضوح بشأن سياسات الإدارة العامة وإجراءاتها ، وإفصاح عن معايير اتخاذ القرار ومسبباته، التعامل مع المعلومات بشكل صحيح ومناسب ، والحذر من الاستخفاف بعقول المتعاملين أو تزييف الحقائق أو إخفائها مع الاحتفاظ بالسجلات المناسبة والدقيقة والمحدثة ، لدعم اتخاذ القرار ولتكون الحكومة على قدر من المسؤولية تجاه أعمالها وقراراتها.
وإن احترام المتعاملين ومعاملتهم بحيادية ولطف دون تمييز أو تحيز غير قانوني وضمان عدم تضارب المصالح هي أبجديات الإدارة الجيدة، والتعامل مع قضايا الناس وهمومهم بموضوعية وثبات - لكن دون جمود أو تعنت- والتأكد من أن القرارات والإجراءات التي تتخذ متناسقة ومتناغمة ومناسبة وعادلة في آن واحد.
والعمل الجاد يتطلب معه تصحيح الأمور وتصويبها باستمرار ، والاعتراف بالأخطاء عند وقعها والاعتذار عند الاقتضاء ، والاعتذار لا يقف عند القول "آسفا" بل يترجم الاعتذار إلى أفعال برفع الضرر أولاً ثم الالتزام للتصحيح بسرعة، وفعالية والتعويض بقدر حجم الضرر، مع الاستمرار في توفير المعلومات الصحيحة والواضحة في الوقت المناسب حول كيفية ووقت الاستئناف، وإتاحة تقديم الشكوى عبر قنواتها المختلفة والسير بإجراءات التظلم ، والتبسيط دون التعقيد في إجراءات تقديم الشكوى ، مع ضمان وجود إجراءات تشغيلية فعالة للتعامل مع الشكوى، والاعتراف بها دون محاولة إخفائها أو التستر على المقصرين، أو إطالة أمد معالجتها ، وتقديم التعويض العادل والمناسب للمشتكي، والمساءلة الفردية عمن ألحق به الضرر، مع التوثيق والتدوين في السجلات عبر توفير نظام إلكتروني متكامل ومترابط بين الأطراف ذات العلاقة، دون الوقوف أو التوقف عند إغلاق الشكوى ؛ بل تتعداها للاستئناف والاستمرار في التحسين المستمر ومراجعة للسياسات والإجراءات بانتظام لضمان فعاليتها، وطلب الحصول على الملاحظات والتغذية الراجعة لتحسين الأداء وتطوير الخدمات ، والتأكد من التعلم من الدروس المستفادة واستخدامها لتحسين مستوى تقديم الخدمات وزيادة رضا وثقة المواطنين بإداراتها العامة.
د. كفاية عبدالله/ اختصاصي التطوير المؤسسي
(Kifaya2020@gmail.com)