بوتين يوجه خارجيته .. وروسيا تقود مجلس الأمن
د.حسام العتوم
03-04-2023 12:46 PM
في كل يوم تصحو فيه روسيا الإتحادية على قرع طبول الحرب الأوكرانية وبالتعاون مع حلف " الناتو" ، وهي التي واجهتها بعملية عسكرية خاصة انطلقت بتاريخ 24 02 2022 ، تحقق نجاحات ميدانية كبيرة تعكس حرصها على النصر الأكيد والدائم ليس في الحرب الدائرة رحها الآن ومنذ أكثر من عام فقط ، وإنما في ميادين السياسة الخارجية و القانون الدولي ، وفي الوقت الذي اختارت فيه روسيا فلاديمير بوتين قائدًا لها قبل أكثر من عشرين عاما ، و سيرجي لافروف وزيرا عملاقا للخارجية منذ عام 2004 ، أبحرت روسيا وسط أزمات دولية متعددة كانت تخرج منها دائما منتصرة ، ولم ترغب يوما أن تكون طرفا في الأزمات الدولية لدرجة أنها عرضت عام 2000 على الولايات المتحدة الأمريكية دخول حلف " الناتو" لتدفن الحرب الباردة وسباق التسلح إلى الأبد ، وهما اللذان إندلعا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، وفي الحرب الأوكرانية دخلت روسيا ميدانها مدافعة عن إستقلالها وسيادتها، ولم تذهب إلى أوكرانيا محتلة أو غازية كما يشيع إعلام وساسة "كييف" وعواصم الغرب بقيادة العاصمة "واشنطن "، ومن أجل ذلك جاء قرار تحريك عمليتها العسكرية الخاصة من قبل القيادة الروسية جماعيا، ولم يتخذه الرئيس بوتين بشكل فردي أتوقراطي ، وارتكزت " موسكو " بشأنه على المادة القانونية " 51/7 " من قوانين الأمم المتحدة التي تسمح للدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا حق الدفاع عن نفسها.
ولقد نفذ صبر روسيا وقتها بعد ثماني سنوات من قصف " كييف – باراشينكا وزيلينسكي " للدونباس " – الروسي الأصل ، ونفذ صبرها قبل ذلك في زمن إنقلاب " كييف" غير الشرعي عام 2014 الذي دبر ليلا بجهد التيار البنديري المتطرف العائدة جذوره للعهد الهتلري في الحرب العالمية الثانية وبالتعاون مع دول الغرب وأجهزتها اللوجستية وفي مقدمتها جهاز " السي أي إيه " الأمريكي عبر الثورات البرتقالية كما لوحظ وقتها، ولم تتمكن موسكو من الصبر أكثر بعد تسبب "كييف" بمقتل وتشريد أكثر من 14 الفا من المواطنين الأوكران الناطقين بالروسية وحملة جواز السفر الروسي ومن الروس من أصل سبعة ملايين انسان يعيشون في شرق وجنوب أوكرانيا، وبعد إكتشاف روسيا لمشروع قنبلة " نووية " أوكرانية وبالتعاون مع الغرب، وأخرى مخفضة ، وبعد تفجير جسر القرم وخط الغاز " نورد ستريم " ، وسوء معاملة الأسير العسكري الروسي ، وغير ذلك من أحداث تخريبية .
وبعد تصاعد السنة مؤامرة الغرب على روسيا عبر إختراق كبريات المؤسسات القانونية مثل "حقوق الأنسان" و "الأمم المتحدة" ، و "المحكمة الدولية" و "قمة العشرين" و "مجلس الأمن" و "مجموعة بريكس" ، وبعد موجات الغرب السياسية والإعلامية التضليلية الموجهة لإحباط الدور الروسي العالمي وهيبة الدولة الروسية " القطب العملاق" ، أصدر الرئيس الروسي بوتين مرسوما جمهوريا صادرا عن قصر " الكرملين" الرئاسي في موسكو بتاريخ 31 03 2023 تبنت روسيا من خلاله إستراتيجية جديدة للسياسة الخارجية حددت فيها بأن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب مصدرا للتهديد الوجودي لموسكو بعد الخلاف الجاري حول الحرب الأوكرانية، بسبب تباين التفسيرات الغربية عن التفسيرات الشرقية الروسية والصينية ، ففي الوقت الذي يعتبر فيه الغرب روسيا غازية لأوكرانيا ومحتلة لها، تعتبر روسيا نفسها محررة لأراضي أوكرانية يعود تاريخ سيادتها لروسيا، وفقط بسبب توجه "كييف" تجاه الغرب وحلف " الناتو" المعادي لروسيا ، قررت موسكو إعادة الأقاليم الخمسة" القرم ، ولوغانسك ودونيتسك "الدونباس" ، وزاباروجا ، وخيرسون " للديرة الروسية - الأم الكبيرة ، ووجهت روسيا درسا لنظام " كييف السياسي" المتطرف أشبه بدرسها الذي وجهته لجورجيا – سااكاشفيله عندما قرر وقتها التغريد خارج السرب الروسي والسوفيتي السابق والعبث بأوراق "الناتو" عام 2008 .
ولقد اقتنعت روسيا الاتحادية بأن الغرب يشنون حربا هجينة ضد موسكو، وبأن ما قبل الحرب / العملية ليس كما خلالها أو بعدها ، ولم يعد الغرب صديقا لروسيا ولن يكون مستقبلا، وهو الذي إستشعر قرب إنهيار قطبه الأوحد، ونجاحات ملاحظة لعالم الأقطاب المتعددة مثل روسيا، والصين، وإيران ، والمملكة العربية السعودية ، ودولة الإمارات المتحدة، وجنوب أفريقيا، وغيرهم ، واختراق غربي واضح للقانون الدولي عبر منصات دولية هامة ، ومحاولة غربية لتحريك أوراق المحكمة الجنائية ضد الرئيس بوتين، ولطرد روسيا من مجلس الأمن، والعمل فعلا على اخراجها من حقوق الإنسان ، والتلاعب بمواقف مجلس الأمن ، والمحكمة الدولية ، وبقمة العشرين ، ومع هذا وذاك كانت روسيا تخرج أقوى ، وهاهي الان روسيا تقود مجلس الأمن ، وتحقق نجاحات ميدانية في أرض معركة الدونباس ، وتقدم فصائل " فاغنر " في ميدان منطقة باخموت ، وتعطي الغرب فرصة اضافية للتوجه لخيار السلام مباشرة وعبر بيلاروسيا - لوكاشينكا ، وهو الغرب الذي أعاق السلام الأوكراني - الروسي عبر الحوار المباشر وعبر اتفاقية "مينسك" ، ورسالة روسية قوية جديدة لموسكو تنذر بإستخدام كافة الأسلحة المتوفرة لديها بما فيها الذرية حالة تعرض سيادتها وأمنها القومي للخطر، وهي التي تحتل في مجاله الرقم(1) ، وبأنها لا تقبل بالهزيمة ، وهي مصممة على النصر كما كان الحال في تاريخها المعاصر في زمني نابليون بونابارت وأودولف هتل، وتركيز روسي جديد على أهمية ملاحقة الهيمنة الأمريكية الغربية .
إن فرصة الغرب في اقناع الرأي العام العالمي بموقفه من الحرب الأوكرانية على أنه على صواب باتت ضئيلة ولم يعد يقنع غير نفسه ، وموقف مغاير تماما في شرق وجنوب العالم ، ويكفي الغرب موقف الصين الواضح إلى جانب روسيا الإتحادية ولحماية القانون الدولي ، وتشكيل جبهة روسية – صينية - ايرانية – وتقريبا عربية بوجه الهيمنة الغربية على قرارات العالم ، ولو أراد الغرب السلام في الموضوع الأوكراني لما ذهب لتزويد "كييف" بالسلاح والمال الأسود الوفيرين، ومن يحب أوكرانيا سواء نظام "كييف" أو الغرب ويغار على سيادتها لا يدفع بها تجاه المحرقة، وأوكرانيا التي أعرفها في الزمن السوفيتي جميلة جدا ومركزا هاما للحضارة السلافية والسوفيتية والدينية ، والإنسان الأوكراني محب للخير والعطاء ويعيش إلى جانب أخيه الأنسان الروسي بمحبة وتعاون، ويتقاسمون معا رغيف الخبز وهموم الإقتصاد والسياسة .