على مدى عدة سنوات متتالية أثارت الكاتبة الكويتية هبة مشاري حمادة الجدل بسبب المسلسلات التى تكتبها لصالح فضائية الـ MBC والتي تخصصها القناة للعرض في شهر رمضان المبارك، فبعد مسلسل «دفعة القاهرة» جاء مسلسل «من شارع الهرم إلى» واليوم ياتي الدور على مسلسل «دفعة لندن» الذي يعرض حاليا على شاشة القناة.
لهذا السبب باتت الكاتبة الكويتية سمة رمضانية جدلية، تُدخل العقل العربي في حالة من النقاش والجدل الذي يخرج في أغلبه وبكل أسف عن الحدود المنطقية المفترضة لمناقشة «قصة درامية» مؤطرة زمنيا ومكانيا وبشخصيات محددة، وتحويلها إلى ما يشبه النص أو الوثيقة التاريخية التي يصار إلى تشريحها ونقدها ومحاكمتها.
وأنا في هذا المقال لا أدين ولا أروج ولا أدافع عن الكاتبة هبة حمادة، فالكاتب كما الشاعر «يحق له ما لا يحق لغيره» كما يقال، والنص المكتوب هو نص درامي يغلفه غلاف فني تتداخل فيه الكثير من العوامل الفنية مثل الإخراج والديكور والاضاءة والملابس وغيرها وكلها مجتمعة تصلنا كحالة متكاملة قابلة للنقد بكل تأكيد وإن لم تشحنا بالاسئلة وإن لم تثر فينا هذه الحالة الحس النقدي سواء أكان إيجابيا أو سلبيا يكون هذا العمل فاقدا لدوره الوظيفي – الفني الذي من أبرز مهامه تحريك إحساسنا بما نشاهد وخلق التفاعل معه وفي أغلب مسلسلات هبة مشاري حمادة كان التفاعل معها عاليا وفي الأعمال المشار إليها كان صاخبا، ومن بين أهم أسباب هذا الصخب ما يلي:
أولا: تصدي نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي لدور الناقد الفني وقيامهم في «تلوين» العمل على «هواهم»، فالذي يتوافق العمل مع هواه يقوم بمدحه وتعظيمه دون تفسير أو تبرير، اما الذي لا يناسب فكره أو رؤيته أو مشاعره يقوم وبكل بساطة «بشيطنته» وقذفه بأغلظ الأوصاف وأعنفها، والذين يقومون بمهمة «الشيطنة» هذه هم الأغلبية، ويقومون بها بدم بارد وبراس حار، ولا يوجد من يردعهم أو يضع حدا لهم فهم أبطال في عالم افتراضي، وهذه الحالة أشبه ما تكون بحالة شخص تعرض لحادث سير ولم يصله الإسعاف فأخذ المارة والعابرون في الشارع القيام بمهمة الإسعاف والطبابة والتي تنتهي في الأغلب بتقليل فرص نجاة هذا المصاب أو التسريع في وفاته.
فوسائل التواصل الاجتماعي بالقدر الذي وفرت فيها الحرية للناس للتعبير عن دواخلهم وآرائهم، فهي خلقت بذلك مناخات من الفوضى وصناعة الكراهية وإثارة النعرات والحساسيات الدينية والقومية، وهو التحدي الذي مازال ينتظر «الحل»، وفي حالتنا العربية فإن الحل هو بارتفاع منسوب الوعى والثقافة وهو أمر يحتاج لعوامل كثيرة منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي ولا مجال للتطرق لها في هذا المقال.
ثانيا: الموروث السلبي في بعض العلاقات البينية بين العرب والذي يساهم في جعل أي عمل درامي يتعرض لعلاقة سلبية بين أشخاص من قطرين عربيين محطة «لنبش» التاريخ وتوظيفه بل والبناء عليه بطريقة تظهر مدى الحالة «المرضية» التي باتت تحكم علاقة العرب ببعضهم البعض، وفي دفعة لندن ثارت ثائرة بعض الإخوة العراقيين لكون المسلسل أظهر «ميسون العراقية» التي تنحدر من خلفية ثقافية واجتماعية راقية في المجتمع العراقي، خادمة لدى طالبات كويتيات يدرسن الطب في إحدى جامعات لندن، وأخذ البعض من هؤلاء «الثائرين» يعيد إنتاج تاريخ العلاقات الرويتية – العراقية بصورة سلبية وسوداوية تتجنى بشكل واضح على الإرث الحقيقي لهذه العلاقة التاريخية والعريقة بين الشعبين الشقيقين والتي كانت وما زالت تتميز بالمودة والدفء، والتي تشوهت في فترة من الفترات. والتي سرعان ما تعافى منها الإخوة الكويتيون الذين وقع عليهم الضرر والظلم، وتجاوزوها بحكم عروبتهم الراسخة وتفهمهم العميق بأن احتلال الكويت كان قرارا فرديا لصدام حسين وليس قرارا للشعب العراقي.
وعلينا القياس على ذلك وتخيل لو أن المسلسل أو غيره من المسلسلات تناول شخصيات جزائرية ومغربية دراميا، أو لبنانية – سورية، أو فلسطينية لبنانية أو يمنية–سعودية، وتدخل «نابشو زبالة التاريخ» الذين يعتقدون أنهم مؤرخون أو نقاد من أجل إعادة كتابة هذا التاريخ على «هواهم"!
أعتقد أننا سنكون في وضع لا يتمناه لنا إلا الاعداء.
لا يعقل أن ندخل القرن الحادي والعشرين بعقلية ثأرية لا تميز بين الدراما والوقائع التاريخية، ونوفر بذلك لاعدائنا ولحساباتهم الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي «العبث بعقولنا ومشاعرنا وأخلاقنا».
(الراي)