خبرة أن يكون لديك مريض عزيز "كأمك" تستدعي أن تنقلب تفاصيل حياتك رأساً على عقب، وأحد هذه التفاصيل هي مرافقتها خلال فترة مكوثها في المستشفى، واتباع نظام المناوبات.
"اللهم شفاءً لا يغادر سقماً لأمهاتنا وأمهات المسلمين".
ولكن خبرة المرافقة لن تنحصر على مراقبة مريضك ورجائه والتوسل اليه لتناول الطعام والصبر على ألم الإبر والأدوية، ومراقبة تقاسيم وجهه وهو نائم والخوض في عالم الذكريات.
هنالك مريض آخر بجوارك، كانت تلك السيدة المسنة التي رافقتها ابنتها، ما أثار حزني وألمي ونفض جوارحي هو توسل ابنتها لها بأن تحاول قدر الإمكان بأن تبقى في المستشفى لتتمكن ابنتها من البقاء معها ومرافقتها، وتناول طعام الإفطار في المستشفى، لأنها تسكن مع بيت العائلة، سمعتها مختصرةً لحديث مطول تقول: "يما كثار وبطبخوا اكل قليل وبصيروا يتسابقوا على الأكل وما بلحق أشبع".
حرارة ووجع كلماتها تجاوزت حاجز الستار وبراءة وبركة الكبيرات جعلتها تشعر بالراحة، قالت لها امها المريضة : "ما عليكي يما خلاص مش طالعة راح احاول قد ما اقدر ما يطلعوني.. أصلاً هون دفى".
ولكن المشهد في ذهني وفي أذهانكم لم ينتهِ بعد فهناك مريضةٌ تصرخ في الغرفة المجاورة، تنادي ابنتها وتبكي ولكن ابنتها هيهات أن تسمع فهي ليست هناك.
ذهبتُ مستأذنةً إحدى الممرضات بأن أراها.
كانت مريضةً مسنة كسا الشيب رأسها، بلغت من العمر عتيا.
خاطبتها: "سلامتك يا حبيبتي لا تبكي ايش مالك.. ليش بتصرخي" ؟.
قالت لي بأنها تشعر بالخوف وان ابنتها تتركها لوحدها.
في هذه الأثناء دخلت ابنتها وحاولت ان ترسم على وجهها علامات الحنية إلى أن غادرت .
لتنهال على أمها بالصراخ والثرثرة الممزوجة بالقرف: "وبعدين معاكي يعني فضحتينا بين المرافقات كلها سيجارة!!!!"..
عدت إلى أمي أتعجب التناقض بين المشهدين فهذه تتوسل لتبقى وتلك تنتفض غضباً لأنها وأمها مرافقة!!!.
حاولت أن أروي لأمي ما حدث عل أحاديثاً جديدة تلهيها عن التركيز في أوجاع المرض.
ولكن ذاكرتها المكتنزة بالأحداث لم تستوعب حدثاً جديداً، فقالت منهية ذاك الحديث وهي تشعر بالكثير ولكنها متعبة ومجهدة حتى من الكلمات.. " فكينا من سواليف الناس"..