بدأ حلم الوحدة العربي في العصر الحديث منذ تبوء محمد علي باشا السلطة في مصر، وتجسد ذلك ضمن المفهوم الإسلامي لللوحدة العربية، كتوجهات محمد علي باشا وقد ورث إبنه إبراهيم باشا هذا التوجه. وإذا كان محمد علي قد عمل على وحدة مصر وبلاد الشام والعراق وجزيرة العرب، إلا ان الابن أبراهيم باشا كانت أهدافه الوحدوية تقتصر على توحيد مصر وبلاد الشام.
وفي بداية القرن العشرين اتسمت الحركة القومية الوحدوية بالمواءمة بين الفكر القومي- العروبي كهوية قومية وبين العقيدة الإسلامية، كدين وثقافة ومنهج حياة، وهو ما عبر عنه الشريف الحسين بن علي في برنامج ونهج الثورة العربية الكبرى التي كانت أهدافها تتخطى مهمة توحيد المشرق العربي إلى الوحدة العربية الشاملة.
إلا أن هذه التوجهات الوحدوية إصطدمت بتحالف الآخر، أعداءً وأصدقاء، كتحالف كل من روسيا القيصرية وتركيا وبريطانيا وفرنسا ضد مشاريع محمد علي وأسرته، او تحالف بريطانيا وفرنسا وباقي دول الغرب الإستعماري ضد مشروع الثورة العربية الكبرى.
إلا أن المشاعر القومية الوحدوية العربية بقيت كامنة ويقظة وتنتظر الظروف المواتية للحراك، فإنطلقت مباديء كل من حركتي الإخوان المسلمين والقوميين العرب، وحزب البعث العربي الإشتراكي، والحركة الناصرية، بالإضافة للتوجهات الرسمية لإعادة رسم الخارطة القطرية العربية المفروضة من الغير وتجاوز سلبياتها وتعظيم العوامل البينية المشتركة، كالوحدة الاردنية- العراقية والمصرية- السورية، وتوحيد شطري الوطن اليمني.
وكسابقاتها لم تسلم هذه المباديء والمشاريع الوحدوية من مخططات الأعداء، داخلياً وخارجياً،
فقد فشل من فشل، وأحبط الآخر، وأصاب الوهن جزءا منها، وعاد البعض إلى المربع الأول وهو النضال السري. كما أنتهت المشاريع الوحدوية الرسمية بناءً على البيان رقم واحد، سيء السمعة والصيت، ولم يبق إلا الوحدة اليمنية التي مازالت صامدة وتصارع من أجل البقاء، سواء التوجهات الشعوبية المدعومة من الصفويين الجدد، او ما يسمى بالنزعات الليبرالية والعلمانية المدعومة من الحركة الصهيونية والغرب.
وكنتيجة للمسيرة المتعثرة للحركات الوحدوية على مستوى الفكر والتطبيق، فقد إستقر الأمر في مربع الإسلام السياسي، الذي يعيش اليوم ادق مراحل إعادة صياغة المشروع القومي العربي بعباءة الإسلام، كعقيدة وثقافة، والتي، شاء الفكر القومي العربي العلماني ام أبى، فإن الأمة العربية لا يمكنها أن تنهض من بين كهوف التيه والضياع إلا من خلال التزاوج المبدئي والشرعي بين الفكر القومي العربي ومباديء العقيدة الإسلامية.
وبالرغم من أن المباديء الأساسية لجامعة الدول العربية تجذر التجزئة العربية، إلا أنها ليست ببعيدة عن التوجهات الرسمية للنظام العربي لإعادة هيكلة العلاقات البينية بين أقطار الأمة العربية. فمنذ تأسيسها عام 1945 حاولت تطوير أسبابها الوجودية، إلا انها كانت وما زالت تصطدم بالمصالح القطرية على حساب المصالح القومية العليا. ولذلك نجد بأن إنجازاتها المنظورة متواضعة، او بالأحرى لا تذكر، مقارنة مع ما تم إنجازة على صعيد « إتحاد الحديد والصلب» الأوروبي الذي بدأ في عام 1958، لينتهي بالسوق الأوروبية الموحدة.
وإذا كانت اتفاقية التجارة الحرة التي أقرتها القمة الاقتصادية في الكويت عام 2009، وأكدت عليها قمة سرت الماضية، تمثل «الخطوة الأولى» في إطار إحياء مشروع النهضة العربية بدءا بالعملة العربية، والذي يعد ضرورة حتمية للأمن القومي العربي. ففي ضوء التجزئة العربية وغياب الوحدة يعاني 20 في المائة من القوى العاملة العربية والبالغة 130 مليون شخص من البطالة.
فهل سيتتحق الحلم العربي على مستوى الإقتصاد والعملة الواحدة كخطوة اولى لبعث الهوية القومية العربية بإطارها الحضاري الشامل؟؟؟. ولكن...متى سيصحو العرب؟؟؟؟
alrfouh@hotmail.com
الراي