حرب العاشر من رمضان .. نصر عسكري وفشل سياسي
د. محمد ناجي عمايرة
01-04-2023 02:38 PM
اليوم هو العاشر من رمضان المبارك، وقد اعتدنا ان نؤرخ بالحساب الميلادي ونتجاهل الحساب الهجري إلا فيما يتصل بالمناسبات الدينية .
وكثيرا ما تضيع علينا جدوى الربط ومعنى الترابط بين التاريخ الهجري واحداث التاريخ القديم منها والحديث، وما يتصل بها من ذكريات ومسائل وقضايا تستحق الوقوف وتستدعي الاعتبار.
لا نحب العيش في الماضي ولا في ذكرياته، لكن الحاضر ابن ذلك الماضي واب المستقبل القريب والبعيد .
اقصد اننا نضيع الكثير من التفاصيل بين التاريخين، رمضان شهد عبر الف واربعمئة واربعة واربعين عاما الكثير من الاحداث التي رسخت في الاذهان او خلدت في كتب التاريخ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة .
وفتح مكة كان في العاشر من رمضان في السنة الثامنة للهجرة ومعركة القادسية بقيادة سعد بن ابي وقاص في السنةً الخامسة عشرة للهجرة وموقعة حطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي سنة ٥٨٤ هجرية.
ما اجمل ان نعتز بالتاريخ وان نستذكر احداثه ووقائعه، وان نأخذ منها العبر والتجارب ونوظفها لخدمة اهداف الامة، او ان نجعل منها رافعة لوضع راهن هنا او هناك أصابه الوهن ولحق به اختلال او اعتلال.
الامم الحية هي التي لا تنسى تاريخها سواءً أكان متصلا بنصر او هزيمة او ما بينهما.
العاشر من رمضان يوم خلده تاريخ العرب المعاصر بحروف من نور عام ١٩٧٣م، ففيه انتصف العرب من الجيش الصهيوني المحتل في حرب سميت بحرب اكتوبر تارة وحرب تشرين تارة اخرى وحرب العاشر من رمضان سنة ١٣٩٣ هجرية تارة ثالثة.
والسبب في هذا (التيه) هو مسألة تأريخ ( بالهمزة) واختلافه بين الدول والانظمة والحكومات واولوياتها.
تلك الحرب التي خاضتها الجيوش العربية مع العدو المحتل في ذلك العام كانت بامتياز حربا منتصرة بكل معاني النصر، غير انها انتهت بانتكاسة لأن احد اطرافها اراد ان يوجهها من حرب تحرير الارض والانسان الى حرب (تحريك سياسي) باهداف مؤقتة او مرحلية، لتحقيق اهداف سياسية آنية يبني عليها اعتبارات ذاتية للوصول الى ما كان يسميه "سلام الشجعان" وهي تسمية ادت الى ما عرف باتفاقية ( معسكر داوود) التي اخذتنا جميعا الى ( مهاوي الردى والتردي) .
فعلى الرغم من اننا قاطعنا نظام السادات وجمدنا عضويته في الجامعة العربية وفرضنا عليه عقوبات شتى ، فان الانظمة السياسية نفسها ما لبثت ان اعادت جامعة الدول العربية الى مقرها في القاهرة واعادت العلاقات مع النظام المصري وبذلك فتحت طريقا واسعا نحو اتفاق (اوسلو) ثم (وادي عربة ) وما تلاهما إلى اليوم من اتفاقيات " تطبيعية " .
امام هذا الاختصار المكثف لأحداث نصف قرن من الزمان ، تعود بي الذاكرة الى تلك الأيام الاولى من حرب العاشر من رمضان المنتصرة التي عززت ثقة المواطن العربي بامته وبجيوشها، وبالقدرات العسكرية العربية التي تغلبت على ما سمي خط بارليف واصابت مقتلًا من "اسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر " بعد ما هزتها بشدة معركة الكرامة عام ١٩٦٨م .
نستذكر تلك الأيام بكثير من الفخر والاعتزاز ونحن نتابع بطولات الجيوش العربية المصرية والسورية والاردنية والعراقية والروح المعنوية العالية التي رفعتها تلك الانتصارات السريعة على العدو الصهيوني في حينه قبل ان ينقلب النصر العسكري الى هزيمة سياسية لان القيادة السياسية لم تكن تريد منه الا ان يحرك الوضع السياسي الراكد باتجاه سلام هش او صلح مذل او أهداف محدودة، وقد ظنتها تلك القيادة السياسية ممثلة بالرئيس المصري أنور السادات نهاية مطاف الصراع العربي مع الحركة الصهيونية.
وها هي الاحداث تدلل على ما وقع فيه من اوهام .
لست هنا لأعيد كتابة التاريخ، لكني اريد ان اذكر الاجيال الجديدة ان الخطا السياسي كم يكلف الشعوب والامم من خسائر حقيقية تدفعها ثمنا باهظا لرغبة سياسي في تحقيق طموح شخصي بزعم تخليد اسمه في التاريخ.. واي خلود كان ذلك !!.
لعلي تجاوزت الكثير من الكلام عن تلك الطموحات والأخطاء وما جرته على الأمة العربية و قضيتها الأساسية من خسارات.
لا شك في ان تلك الأهداف السياسية الصغيرة غطت على بطولات الجيوش وقدراتها وعلى الشهداء الكرام وتضحياتهم الجسيمة التي تحقق بها نصر رمضان او اكتوبر او تشرين الاول عام ١٩٧٣م.
وهو الانتصار الكبير الذي اختصرته الحكومات لاحقًا ليكون اسما على شارع او مسمى لمجلة ( اكتوبر) او صحيفة يومية ( تشرين ) .
وكل رمضان وانتم تتذكرون تلك الحرب المنتصرة التي قزمتها السياسة الملتوية والتطلعات قصيرة المدى..