عمون - إن الصلاة، على الرغم من أنها تعتبر أعمالًا خارجية يقوم بها الجسد، فإنها يجب أن تبدأ من القلب. ينبغي للمصلي أن يقف بين يدي ربه بجسده وقلبه، وأن يكون قلبه حاضرًا لكل قول أو فعل في الصلاة، ومدركًا لكل آية يقرأها فيها، وفاهمًا لكل حركة وسكنة فيها. إذا أراد المسلم أن يصلي بخشوع، فيجب عليه أن يستشعر أنه بحاجة إلى خالقه، وأن يقر بربوية الخالق وألوهيته. يكون الخشوع في الصلاة في القلب، ويظهر أثره على الجوارح، حتى تكون صلاة المؤمن كاملة ومقبولة بإذن الله.
من أجل تحقيق الخشوع في الصلاة، ينبغي على المسلم أن يتذكر أنه بين يدي خالق عظيم. فمجرد رفع المصلي يديه لتكبيرة الإحرام، يجب عليه أن يستحضر الخضوع والاستسلام التام لله. يجب أن يترك كل ما يشغل قلبه من أمور الدنيا، لأنه في حضرة الخالق العظيم.
عند وقوف المصلي للصلاة، ينبغي له أن يتذكر أنه إذا كان بين رجل ذو شأن في الدنيا أو أمام ملك من ملوك الأرض، فإنه يقف بتذلل. فكيف يسمح لنفسه أن يقف بين ملك الملوك وهو غافل ولا يركز. ينبغي للمسلم أن يقدر عظمة الله ويتواضع أمامه في الصلاة.
أيضًا، ينبغي على المصلي أن يحرص على أداء الصلاة في أول وقتها. فالحرص على أداء الصلاة في وقتها يعكس محبة العبد لله واستعداده للقائه والاتصال به. ومن يترك الصلاة إلى آخر وقتها منشغلا في دنياه، فذلك يدل على غفلة عظيمة. المسارعة في أداء الصلاة في وقتها يجلب أجرًا عظيمًا من أجر الصلاة في وقتها، ويساعد في تحقيق الخشوع فيها.
لتحقيق الخشوع في الصلاة، يجب على المصلي أن يتدبر آيات القرآن الكريم. ينبغي له أن يتأمل معاني الآيات التي يقرأها في الصلاة، من سورة الفاتحة والسور التي تليها. يجب أن يتأمل في آيات الوعيد والجزاء، وقصص الأنبياء، وآيات تنزيه الخالق، وغيرها. هذا يساعد في ترسيخ معاني القرآن الكريم في قلبه وتعزيز القيم النبيلة.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على المصلي أن يحاول ترتيل الآيات وتجويدها والتوقف عند كل ما يزيد من الخشوع، مثل أداء سجدة التلاوة وما شابه ذلك.
التأني في الصلاة يعد شرطًا لصحة قبولها والحصول على الطمأنينة فيها. ينبغي أن يتحلى المصلي بالتأني في أداء الصلاة وأن يعطي كل ركن حقه، حتى يقف ويركع ويسجد بثقة وراحة. السكون والتأني في الصلاة هما السبب الرئيسي لتحقيق الخشوع فيها، بينما العجلة في الصلاة تزيل الخشوع وتفسد الصلاة. إذا كان المصلي يعجل في الصلاة، فلن يعرف كيف صلى وكم صلى وماذا قرأ فيها. لذلك، يجب أن يتحلى بالتأني والسكينة في الصلاة.
يجب على المصلي أن يدعو الله بالخشوع في الصلاة. يجب على المسلم أن يلهج إلى الله بالدعاء الخالص، طالبًا منه المساعدة على تحقيق الخشوع في الصلاة وأدائها بشكل صحيح دون نقص. يجب أن يثق بأن الله قريب ومستجيب لدعواته.
علاوة على ذلك، يجب على المصلي أن يقلل من التحركات الزائدة والالتفاتات في الصلاة. ينبغي له أن يسكن جوارحه ويقلل من الحركات التي ليست جزءًا من الصلاة، مثل قضم الأظافر وحك الرأس وما شابه. فالسكون الجسدي يعزز الخشوع في الصلاة.
أخيرًا، ينبغي على المصلي أن يتذكر الموت. يجب عليه أن يتذكر أنه قد يكون هذه الصلاة هي الأخيرة في حياته، وذلك يعزز التأمل في صلاته والاقتراب من الله. شعور المصلي بدنو الموت واليوم الآخر يثير الخوف في قلبه ويجعله يصلي كأنه يودع الدنيا.
باختصار، يجب على المصلي أن يسعى جاهدًا لتحقيق الخشوع في صلاته. يتطلب ذلك حضور القلب، واستشعار الوقوف بين يدي الله، والحرص على أداء الصلوات في أوَّل وقتها، وتدبُّر آيات القرآن وترتيلها. ينبغي أن يتحلى بالتأني في الصلاة والاطمئنان بها، وأن يدعو الله بالخشوع في الصلاة ويطلب منه المساعدة. يجب عليه أن يقلل من التحرُّكات الزائدة والالتفاتات، وأن يتذكر الموت واليوم الآخر. كل هذه الأمور تساعد على تحقيق الخشوع في الصلاة.