عمون- عندما تنحجب الشمس بهدوء، وتغادر الأفق الجميل، تقدم وداعًا مشحونًا باللهفة والخجل، كأنها تعبر عن عجزها عن تحمل الوداع. تملأ السماء بأحمر خجول، يعبّر عن حالة الشوق التي تسكن قلب الشمس. يظهر في لحظة الغروب، وكأنه يختصر كل الشوق الموجود في قلوب البشر. يتراجع النور ببطء، وتبدأ الظلال في الانتشار في الأرجاء. تتلاشى الألوان وتتحوّل إلى لون واحد، ويظل لون الغروب الأحمر النقي هو الأصدق والأجمل، فهو اللون الذي لا يتغير ولا يبهت، ولا تستطيع أي لوحة فنية تجسيده بشكل أفضل من ذلك.
طوال العصور، كان غروب الشمس مصدر إلهام للشعراء والفنانين، وتم تغنيه في قصائد عديدة، واختاره العشاق للتعبير عن حبهم والاعتراف به. يعكس غروب الشمس الرومانسية والجمال في لحظته، حيث تصبح اللحظات هادئة وساكنة وجميلة، تنسجم مع بريق الشمس وجمالها، كأنها عروسة ترتدي الحناء على يديها وتختفي خلف حجابها. تعلمنا لحظات الغروب أن النهايات أكثر حرارة من البدايات، وأن ساعات الوداع تحمل مزيدًا من الحرقة من ساعات الاستقبال والترحيب.
فبرودة شروق الشمس بلونه الأصفر لا تضاهي حرارة غروبها الأحمر. وعلى الرغم من أن شروق الشمس يبشر بيوم جديد، إلا أن غروب الشمس يمنحنا السكينة ويجعلنا نختتم اليوم بلحظة ساحرة.
وإذا تزيّنت السماء في هذا الوقت بالغيوم المتناثرة، تكتسب لمعانًا بلون الشفق وتتحوّل إلى أروع اللوحات السماوية التي يرسمها الخالق. الجميل في جمال غروب الشمس هو أن كل مكان يشهد الغروب له سحره الخاص، الذي يميزه عن غيره من الأماكن.
فغروب الشمس على سطح البحر ينعكس على مسطح الماء بلون أحمر متلألئ، وتظهر الشمس وكأنها تغرق في أعماق البحر. وغروب الشمس بين الجبال يجعلها تبدو كملكة متوجة، تجر ثوبها الأحمر الجميل خلفها، وتذهب للنوم. وفي الصحراء، يروي غروب الشمس قصة فريدة من نوعها، حيث تتلألأ أشعة الغروب على رمالها وتجعلها تبدو كالذهب المغري. لمن يرغب في إثراء روحه وإيقاظ المشاعر والأحاسيس في داخله، فليقف لحظة أمام غروب الشمس ويحاول أن يتأملها وهي تغادر بلطف. وليودعها بأسرار قلبه وروحه.
في هذه اللحظات، بالتحديد، سيلمس مقدار الإلهام العظيم الذي يحتويه قلبه. قد تنبعث منه عبارات شعرية وتعبيرية، ويصبح حسّه حساسًا ومرهفًا. قد قيل في غروب الشمس بكلمات أحمد عرابي الأحمد: "تأملتُ الغروبَ ففاضَ حِسِّي وأسْمعتُ الفؤادَ قصيدَ شمْسِ أناجيها: ألا يا شمسُ بوحي لعلِّي أن أغادِرَ صَمْتَ حبْسي".