مسابقة التحكيم الدولية في فيينا .. فكرة خلاقة وإشكاليات إدارية
د. ايهاب عمرو
30-03-2023 01:00 PM
لعل إيماني منذ البداية أن الأفكار العظيمة يأتي بها أشخاص عظماء تجد لها مجالاً للتطبيق في مسابقة التحكيم الدولية في مدينة فيينا النمساوية، تلك الفكرة الخلاقة التي جاء بها أكاديمي ومهني مبدع وخلاق هو البروفيسور إيريك بيرجستون، الأميركي الأصل والنمساوي ،الإقامة، والذي شغل منصب سكرتير لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، إضافة إلى عمله سابقاً في كلية الحقوق بجامعة فيينا. والذي نجح إلى حد كبير في دخول تاريخ القانون من أوسع الأبواب بسبب تلك المسابقة التحكيمية، وغيرها من الإسهامات في حقل القانون والتي يطول شرحها.
وتعرف تلك المسابقة الدولية باسم Vis Moot
ولعل الحديث عن البروفيسور بيرجستون وحسن معاملته ورعايته للدارسين والباحثين من مختلف دول العالم يطول، وسوف أختصر هذا كله بمواقفه معي ودعمه غير المحدود لي منذ كنت طالبا في مرحلة الدكتوراة في جامعة أثينا في اليونان، حيث دعاني مشكورا لأول مرة في العام 2010 للحضور إلى فيينا والاطلاع عن قرب على ذلك الحدث القانوني العالمي الكبير، ما ساهم في تعزيز رغبتي في الاشتراك كمحكم في المسابقة المذكورة التي تعد بحق من أكثر النشاطات جذباً للدارسين والباحثين والأكاديميين من القارات الخمس ولعل قيامه بعد ذلك بسنوات قليلة بكتابة مراجعة موضوعية لكتابي الأول الذي صدر في بريطانيا حول الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية يعد دليلاً إضافياً على رعايته للبحث العلمي ذات العلاقة بالتحكيم ورقي تعامله، وسعة الأفق لديه.
وتلك المسابقة الدولية تقوم على فكرة مفادها قيام الفرق الطلابية المتنافسة التي تمثل جامعات مختلفة في العالم بالاشتراك في حل منازعة تتعلق باتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع لعام 1980 (اتفاقية فيينا) بواسطة التحكيم الذي يدار من خلال محكمين يتم اختيارهم بناء على مؤهلاتهم، وتخصصهم الدقيق وخبراتهم العملية. وتعقد جلسات التحكيم تلك في مدينة فيينا النمساوية كل عام أثناء إجازة عيد الفصح. وتتعدد المنافسات ومراحلها وصولاً إلى تحديد الفريق الفائر في النهاية. ناهيك عن الفعاليات والمؤتمرات والندوات وحفلات الاستقبال التي تعقد على هامش تلك المسابقة الدولية.
ولعله لم يكن يدر في خلد البروفيسور بيرجستون، الذي أعرفه عن قرب، أن هدفه الأسمى في مد جسور التواصل بين الدارسين والممارسين من محكمين ومحامين وأكاديميين من مختلف دول العالم سوف يصطدم لاحقا بممارسات إدارية سلبية قد تهدم تلك الفكرة الخلاقة التي جاء بها. وتلك الممارسات تعكس جهل من يقومون بها من جانب، وضيق الأفق لديهم من جانب آخر، دون إدراكهم أن العالم يتغير، وأنهم بتلك الممارسات إنما ينتمون إلى حقبة سابقة سادت ثم بادت ولم يعد لها مكان في عالمنا المتحضر.
ومن تلك الممارسات قيام مسؤولة الإدارة في تلك المسابقة التحكيمية، مع الاحترام، بمنع أحد المحكمين من جنسية عربية من حضور فعالية عقدت على هامش تلك المسابقة قبل عدة أعوام بحجة عدم قيامه بالتسجيل للحضور مبكرا، في حين أن ذات المسؤولة الإدارية قامت بالسماح لزملاء أخرين من جنسيات أخرى بحضور تلك الفعالية رغم تسجيلهم المتأخر أو عدم تسجيلهم أصلا ما يعكس سياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة التي تتبعها تلك المسؤولة الإدارية التي أحسبها لا تفقه في علم الإدارة شيئا.
وقيامها مؤخراً بالادعاء بوجود مشكلة تقنية منعتها من إرسال الوثائق ذات العلاقة بإجراءات تأشيرة السفر (الفيزا) في الوقت المحدد لأحد المحكمين العرب رغم إرساله رسائل عدة لها ولزميل آخر يعمل معها بهذا الخصوص، ما منعه من حضور تلك المسابقة كمحكم نتيجة التأخر في استلام الوثائق المذكورة وتقديمها للسفارة النمساوية التي لم تقم بدورها بتسريع إجراءات إصدار تأشيرة السفر نتيجة التأخر في تقديم طلب الحصول على التأشيرة.
خلاصة القول: إن تلك التصرفات غير المسؤولة، وتلك المحاولات المكشوفة لمنع التمثيل العربي في المسابقة المذكورة ربما تقوض الفكرة الخلاقة التي جاء بها البروفيسور بيرجستون، ما يستدعي معالجة هذا الأمر من قبل مدراء تلك المسابقة الدولية الذين يتميزون بالنزاهة والمهنية، ومن قبل البروفيسور بيرجستون نفسه، حفاظاً على سمعة تلك المسابقة الدولية، ومصداقيتها، ووهجها الدولي والإنساني والعلمي والمهني والأخلاقي.