نحتفي بالدستور كمؤسسة وطنية تمثل ذاكرة وطن وأمة بما يحويه أرشيفها من كم هائل من المعلومات المتنوعة تؤطر 57 عاما من مسيرتها التي لم تنفك يوما عن حمل رسالة الوطن ومواكبة تطوره والتحديات التي واجهها محليا وخارجيا واستطاعت مقاومة الصعوبات ومحاولات التضييق على الحريات ووسائل الاعلام في مفاصل مهمة من عمر الدولة الأردنية.
جريدة الدستور تصدرت دائما وما تزال قائمة وسائل الاعلام والمنابر التي تدافع عن القضية الفلسطينية قضيتنا الأولى وشكلت منتجاتها الاعلامية التي تتواصل يوميا وسيلة ناجعة لتسليط الضوء على الحق العربي في فلسطين وفضح الانتهاكات الاسرائيلية وربط الأجيال المتلاحقة بها.
ويحفل أرشيفها بالكثير الكثير لتأريخ القضية ومساراتها وانعطافاتها وحكايات الأوائل الذي رحلوا من الدنيا على حلم العودة وأورثوا تاريخا من النضال ومفاتيح المنازل وبوابات المزارع و» مخازن المونة» لأحفادهم وهذا كله ماثل أرشيف «الدستور» الوطني والعروبي.
«الدستور» تعدت كونها مؤسسة صحفية على قلعة صمود نافحت وماتزال عن قضايا الوطن والأمة فهي مدرسة شمولية لما خرجته من أجيال سياسية وثقافية واعلامية أثرت الساحة المحلية والعربية والعالمية ولم تنزلق عن مهنيتها ولم تعرف أجندة غير أجندة الوطن كما هو حال شقيقاتها الصحف الأردنية الأخرى.
رغم تعدد المؤسسات الصحفية في الأردن الا أن المتعارف عليه أردنيا وعربيا أن «الدستور « هي صحيفة الخبر وكل من يريد متابعة الأخبار والتحليلات كان يجنح اليها فهي حاضرة دائما على مائدة القراء والساسة والاقتصاديين.. لم تكن تعتمد على الاعلانات لتغطية ايرادتها بل التركيز على جودة الخبر وموضوعيته وسلامته من كل عيوب ويتم توفير الايرادات من مطبعتها التجارية ومركزها الفني.
واجهت الصحيفة ما واجهته مختلف المؤسسات الصحفية في الأردن والعالم من تراجع للايرادات وارتفاع الكلف التشغيلية والظروف الأقليمية وتراجع متابعيها لصالح الفضاء الالكتروني وثورة الانترنت ومرت بمنعطفات خطيرة كادت أن تنهي قصة نجاح تاريخية على أيدي أشخاص لم يدركوا أهميتها كما هو حال الصحف الوطنية لكن عنفوان العاملين فيها وصبرهم وجدهم وعرقهم وايمان حكومات رغم انكار أخرى وضع « الدستور « على خطى التعافي ومعالجة أوضاعها المالية مدعومة بعقلية إدراية وتحريرية لا تؤمن بالمستحيل وأسرة اعلامية قابضة على جمر الكلمة الصادقة.
ولا بد من ارجاع الفضل بعد الله لأهله أن بعض الحكومات عملت ما استطاعت لانقاذ الدستور والصحف الأخرى من أزماتها المالية تنفيذا للتوجيهات الملكية وأخص بالذكر حكومة الدكتور هاني الملقي التي تجاوبت مع مطالب نقابة الصحفيين ورفعت سعر الاعلان الحكومي بنسبة 120 ٪ وكذلك توسيع دائرة الصحف الأكثر انتشارا للاستفادة من الاعلانات القضائية واتفاقيات الشراء المبكر للاعلانات والتسهيلات المالية وغيرها. الحكومة الحالية مشكورة أيضا لم تقصر لانقاذ الصحف الورقية ومنها الدستور من خلال زيادة سعر الاعلان الحكومة ورفع عدد الاشتراكات فيها واجراءات أخرى.
نقابة الصحفيين كانت منذ أكثر من عقدين حاضرة في أزمات الصحف الورقية ودافعت عنها وقادت المبادرات الواحدة تلو الأخرى لتعزيز ايراداتها فبعد ان كان سعر الكلمة / الاعلان الحكومي 3 قروش أصبحت اليوم بدينار وخلال عملي كنائب لنقيب الصحفيين وقائم بأعمال النقيب في الدورة الماضية لمست حجم التعاطي الحكومي في السنوات الأخيرة مع واقع الصحف وحرصا غير مسبوق لاخراجها من كبوتها.
نحتفي بالدستور اليوم أيضا بدخولها في مرحلة التعافي متطلعين باهتمام وحرص شديد لتجاوز الصحيفة الغالية « الرأي « والصحف الأخرى أزماتها المالية حتى تبقى منارات في سماء الوطن وهي واسطة العقد لمؤسساتنا الصحفية والاعلامية.
ان شاء الله نحتفي العام المقبل في مثل هذا الوقت وقد تعززت مسيرة «الدستور» وخرجت الرأي وباقي الصحف من أزماتها المالية.
(الدستور)