كانت درجة الحرارة لا تتعدى الصفر في لندن، عندما ذكرتني أمينة أن علينا الذهاب إلى مدرسة حفيدي عمر اليوم عند الساعة الثالثة، لمشاركته مع صفه في النشاط الرياضي، كانت السماء تُساقط فوق رؤوسنا ثلجاً ناعماً وخفيفاً، عندما وصلنا لساحة المدرسة مع جمع الأهالي المتواجدين قبلنا، خرج طلاب الصف الأول بصحبة معلم الصف مع مساعدتيه الاثنتين، لضبط الطلاب البالغ عددهم عشرون طالباً، لمحتهم من بعيد يمشون سريعاً وهم يرتدون ملابسهم الرياضية المكونة من بنطالٍ طويلٍ و "بلوزة نصف كم" مع حذاءِ رياضة، لم اتفاجأ بـ"النصف كم"، فلقد مررت بهذا سابقاً عندما كان والده يدرس في لندن وهو بعمر التاسعة.
اصطف الطلاب على خط البداية في ساحة المدرسة، وأطلق مربي الصف صفارته، وابتدأ الطلاب بالركض حول المضمار العشبي الصغير الذي يتلائم وأعمارهم، وأصبح الجمهور يهلل ويصفق للصغار، وهم يتنافسون على من يسبق في طقس شديد البرودة، والثلج يتساقط على الأجساد الرقيقة، وفجأة، لمحت إحدى الصغيرات والدتها، فركضت إليها وشرعت بالشكوى والبكاء، تشكو لها تعبها.
أتى مربي الصف إليها، وتحدث معها، وشكت له بأنها متعبة، وهنا حملها مربي الصف، وقام بالدوران على المضمار حتى انتهت العشر جولات المطلوبة، وبعد الانتهاء من السباق، قدم مربي الصف الحليب الساخن للصغار مع قطع من البسكويت، ووزع هدايا للجميع.
كان الهدف من السباق، هو جمع الأهالي مع الطلاب، وبث الفرح بين الأطفال بعيداً عن الدروس اليومية، وبعد الانتهاء من مراسم السباق، توجهتُ لمربّي الصف وقلت له أنه فاجأني بتصرفه السريع، عندما حمل الصغيرة، وأنهى معها السباق، فقال لي أنه كان يجب عليه أن يفعل ذلك، لان الطلاب مستقبلاً سيتذكرون ما حَدث، ويقولون للصغيرة بأنها لم تِنهِ السباق، وأنها "دلوعة"، وما إلى ذلك.
فتخيل يا رعاك الله، لو أن ذلك كان قد حَدثَ في إحدى مدارسنا، فماذا ستكون النتائج؟!
بعد أن انتهى السباق، ركض عمر نحونا مع هديته الجميلة، والبلوزة "النصف كم"، في درجة حرارة ما دون الصفر المئوي، وانطلقنا بعد ذلك إلى المنزل.
لن أكذب عليكم، فقد كنت أرتدي كومة من الملابس، وقبعة من الفرو، ولفحة تغطي نصف فمي ويداي في جيبي، ورغم ذلك كنت أشعر بالبرد، أما عمر، فقد كان طبيعياً برغم الملابس الخفيفة التي كان يرتديها، هذا إن صح أن يطلق عليها أصلاً؛ مسمى ملابس، فعلاً حق القول؛ لكل زمانٍ دولةٌ ورجال.
عايدة محمود الأدهش المعايطة