لن يجبر الأردن، الأشقاء السوريين على العودة إلى بلادهم، لكنه سيحضهم طوعا، وسيترك الأمر للسوريين، ولن يوظف أي تطور في العلاقة مع دمشق الرسمية، لإجبار السوريين على العودة.
هذه معلومات مؤكدة، سبق أن تسربت، ومناسبة إعادة الإشارة إليها، أنها تمثل الموقف الحالي، خصوصا، مع وجود مؤشرات على تقارب أردني سوري بطيء نسبيا، كانت آخر مؤشراته إطلاق الأردن لمبادرة أردنية عربية لحل الأزمة السورية، وزيارة مسؤولين أردنيين إلى دمشق، ثم التساؤلات المطروحة حول إعادة السفير الأردني إلى دمشق، أو حتى زيارة الرئيس السوري إلى عمان، أسوة بزياراته الأخيرة إلى عواصم عربية ودولية، بما يؤكد أن عزلة دمشق الرسمية لم تعد كما كانت.
اللافت للانتباه هنا أمران، أولهما أن المسؤولين الأردنيين يلمحون أحيانا إلى أن مصلحة الأردن حل الأزمة السورية، من أجل حل مشكلة اللاجئين، وهذا الكلام تتم ترجمته على المستوى المحلي بشكل خاطئ، اذ يظن البعض أن حل الأزمة السورية سيؤدي بالضرورة إلى مغادرة اللاجئين، بقرار رسمي من الأردن، وهذا أمر غير صحيح، وربما الأردن يراهن فقط على حل الأزمة السورية، بشكل يؤدي إلى تهيئة بيئة إيجابية أفضل تعيد استقطاب السوريين إلى بلادهم بشكل آمن.
الأمر الثاني يتعلق بالسوريين ذاتهم في الأردن، اذ إن كثيرا منهم وجه اللوم في بدايات الأزمة السورية إلى الأردن، اعتراضا على قضايا معينة، تتعلق بالعمل والإقامة أو طريقة المعاملة، لكن السوريين ذاتهم يقرون اليوم، أن بيئة حياتهم في الأردن أفضل بكثير من لبنان وتركيا، ودول ثانية، خصوصا، بعد أن ثبت أن الأردن على المستوى الرسمي، لا يعتدي على أحد فيهم، فيما المستوى الشعبي ما يزال يتعاطف معهم، ولا يؤذيهم، بل يوفر لهم فرص العمل، والسكن، ويعاملهم كجيران وأشقاء، وهذا الانطباع السوري، بات سائدا بينهم وفيه انصاف للأردن، مع إدراك الكل أن لا أحد كان يتمنى حدوث هذه الفوضى الدموية، ولا خروج الناس من بلادهم، ولا المفاضلة اليوم، بين بلادهم، وأي مكان آخر، مهما كانت ظروفه جيدة، أو حاضنة لهم.
وزير الداخلية المخضرم مازن الفراية والذي له بصمات جوهرية في موقعه يقول أمس أمام السفير الكندي في عمان إن الجهود التي يبذلها الأردن للتعامل مع قضية اللاجئين فاقت في كثير من الأحيان إمكاناته وموارده المتوفرة التي تشهد استنزافا مستمرا نتيجة للأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين التي لجأت للمملكة ، وأن هناك حاجة للمزيد من دعم دول العالم والمنظمات والمؤسسات المعنية لمساعدته على تجاوز تبعات الأزمة، ودعم اللاجئين.
والوزير هنا يقر بحقائق خطيرة، أي أن أزمة اللجوء بدأت بكلفة دولية تم مساعدة الأردن فيها، لكنها تحولت إلى أزمة داخلية أردنية، بسبب الضغط على الموارد والصحة والتعليم والبنى التحتية، والكلام هنا لا يحمل منا ولا أذى، بقدر تعبيره عن واقع يقول إن البلد الذي يشقى لتوفير شربة الماء، دخل اليه فجأة أكثر من مليون ونصف المليون شقيق، بحاجة إلى خدمات.
كلام الوزير حمل إشارة ذكية ضمنية حول الأردنيين ذاتهم وعدم جواز تأثرهم بشكل سلبي جراء هذا اللجوء، حين أكد للسفير أهمية تركيز المجتمع الدولي على المجتمعات الأردنية المحلية التي تستضيف اللاجئين في مناطقهم، وتقاسمت معهم جميع مواردها وامكاناتها الصحية والتعليمية والخدمية، من خلال إقامة مشاريع إنتاجية تخفف من معاناة أبنائها وتمكنهم من مواصلة دورهم الإنساني على أكمل وجه، والكلام هنا واضح من حيث مغزاه النهائي، خصوصا، أن العواصم الدولية تشيد دوما بما تسميه كرم الأردن، بحق الجيران، لكنها تتركه ليتدبر اموره بنفسه وحيدا.
الخلاصة هنا تحمل متناقضات، فالأزمة السورية، باتت أردنية من جهة، والمجتمع الدولي يترك الأردن وحيدا، ليطرق الابواب، وكأنه يحاول التكسب من هذه الأزمة، فيما الأردن غير قادر اخلاقيا، ووفقا لمعايير دينية وقومية ودولية، على إجبار السوريين على العودة، ولا أدوات لديه سوى اقناع دمشق الرسمية، بالمصالحة السياسية الجذرية، التي قد توفر بيئة إيجابية، تسترد السوريين من الخارج، بشكل طوعي، وهذا أمر مشكوك فيه، بالنسبة لكثيرين.
(الغد)