facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




برج بابل وأحلام السلام


د.يوسف الحسن
27-03-2023 12:20 PM

رغم شدة برودة الطقس في عمَّان، في ذلك النهار من آخر أيام شهر يناير الماضي، فقد توقفت أمام الفندق، متأملاً هندسته المعمارية، والتي بدت لي وكأنها نسخة محدثة للمئذنة الملوية بسامراء، والتي بناها من الطابوق الفخاري، الخليفة المتوكل في منتصف القرن التاسع ميلادي، وكان يصعد برجها على ظهر حماره، من خلال سلمّها الخارجي الحلزوني الذي يلتف حصول المئذنة، للاستمتاع بالمنظر من أعلى المئذنة.

يُداهمك التاريخ، مثلما تداهمك السياسة والأفكار دوماً، فنادق ونُزُل توحي بالحداثة، وأخرى بالرومانسية أو الأناقة، لكن هذا المكان يُذكّرك بالقلاع، برائحة التاريخ، وبعتمة الأساطير وأسرارها وألغازها، ولا أدري لماذا ذكَّرني بأسطورة «برج بابل» أيضاً.

حضرت إلى الذاكرة، وصاحبنا يقف أمام مكتب الاستقبال، روايات عديدة عن «برج بابل»، منها ما هو أقرب إلى الأساطير اللاهوتية، ومنها كتب حديثة، في «النقد والحداثة الشريدة» لغالي شكري بعنوان «برج بابل»، ورواية لأسامة أنور عكاشة «أحلام في برج بابل» في العام 1984، وأخرى لخليفة الدليمي بعنوان «لعنة برج بابل»، وهي اللعنة التي قال المؤلف: إنها ستلاحق «غزاة العراق»، ومنها أيضاً كتاب للصديق شاكر نوري، نشره مؤخراً، ومخصص للصغار بعنوان «فتى البرج العجيب والكواكب السبعة».

جاء ذكر «بابل» في سفر التكوين (الإصحاح 11) وفي إطار الرواية التوراتية لنجاة نوح، عليه السلام، ومن معه على سفينة (فُلك) أبحرت فوق طوفان عظيم، قبل أكثر من خمسة آلاف عام، ويزعم كتبة العهد القديم أن نوح، عليه السلام، نزل ومن معه مدينة «بابل»، وشيدوا فيها، في عقود تالية، «برج بابل» بشكل حلزوني مدَّور، طوابق فوق طوابق إلى الأعلى، صعوداً في فضاء السماء، وقد صممه صنَّاع مَهَرة، كبرج عال يتبارى مع النجوم، وفق عدد من الروايات، وشيدوا سرداباً تحت البرج، لحفظ علومهم وفنونهم، وسجلّوها على ألواح من الصلصال.

وقيل: إن البابليين كانوا فلكيين، يسبرون أغوار النجوم، وفنانين اكتشفوا الموسيقى من حركة اصطدام الرياح بالرمال، وقيل أيضاً إن «برج بابل» بمعماره المدوَّر اللولبي، ورأسه المرتفع في السماء، كانت لا تتوقف عنده العواصف الرملية، ويذكر كَتَبةُ هذه الأسطورة، أن (الرب) بدَّدَ أهل (بابل) في الأرض، (وبلبل) لسان كل سكان الأرض، في حين تؤكد الحقيقة القرآنية، أن اختلاف ألسنة البشر، كان منذ بدء الخليقة.

في كل الأحوال، فإن «برج بابل» مازال لغز بنائه حتى اليوم غامضاً مثله مثل الجنائن المعلقة، رغم أن آثار «بابل» مازالت موجودة قرب مدينة الحلة على الفرات في جنوب العراق.

في ردهة الفندق، ببرجه العالي الحلزوني البابلي، وصاحبنا يتناول القهوة مع زملائه أعضاء المجلس التنفيذي لمجموعة السلام العربي - العربي، تساءل فجأة عن أبعاد ومعاني معمار الفندق - البرج، كأعلى بناية في العاصمة الأردنية، في محاولة منه لكسر حرارة المناقشات التي تتداولها هذه المجموعة في عمَّان حول الأوضاع العربية التي انفرطت كحبات سبحة، ومساعي هذه المجموعة للملمة الأحلام العربية في التضامن والحوار، وإنقاذ أوطان تئن تحت وطأة الانقسامات والنزاعات والفتن والإرهاب واستعصاء التنمية.

تساءل صاحبنا: هل كان أهل «بابل» حالمين وهم يشيدون برجاً رأسه في السماء، وأنهم ماضون بحلمهم هذا نحو الخلاص والعافية لا الطريق المسدود، أم أنهم كانوا يعيشون لحظة «الارتباك الروحي للبشرية» حسب وصف مرويات لاهوتية لتلك الأزمنة.

يومان طويلان من المناقشات والتأمل في أوضاع عربية شائكة، وبحثاً عن مخارج وآليات، وصياغة خارطة طريق آمنة وسالكة لصناعة سلام عربي مأمول. مجموعة حالمة، ربما، وصغيرة في عددها، كبيرة في طموحاتها، رفضت الجلوس على المقاعد المريحة، ومشاهدة نشرة الأخبار العربية المسائية، كي لا يلمحوا سمات الهوان وأحزان الفرقة في أزمنة التيه، ومآسي النزوح والتهجير والدمار والجنون و«الارتباك السياسي والمجتمعي والأخلاقي».

نعم، لعلها مجموعة حالمة، مساعيها مُنزَّهة عن الانحياز، ولإعلاء الحلول الدبلوماسية للنزاعات، وتعزيز التعاون العربي، واعتبار المصالح المشتركة وسيلة لإلغاء العداوات، وبناء الثقة المتبادلة.

قال صاحبنا، في جلسة من جلسات المجموعة: «لن تجدي نفعاً نداءات أو شعارات «الإخوة والمحبة»، والنوايا الطيبة لحل أزمات عربية عربية، معقدة ومركبة، أو صراعات دموية، وقد تكون هذه النداءات مثمرة في «نزاعات عشائرية» لكنها لا تنفع في زمن (شُرُم بُرُم)، استطال فيه ليل حال الأمة، واتسع (الفتق على الراتق)».

حسناً، إن أمام المجموعة طريقاً صعباً، قد يكون حلزونياً، لكن المهم ألا يتحول مسعاها إلى زفير تائه في الفضاء.

وقيل: إن صاحب الضمير المسؤول، هو الذي يقرع الأجراس.

«لِنُربّي الأمل» أيها الأصدقاء، ونعزز جهوداً شعبية لبناء سلام عربي - عربي.

"الخليج"





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :