ضمن محافظة المفرق والجنوب من الطريق الدولي الرابط ما بين عمان وبغداد يشمخ الجبلين إيذاناً بالوصول للعاصمة عمان أو مودّعيها لمن هم في طريقهم إلى الأنبار وعاصمة الرشيد.
سد العسرة
لندرة المناطق الظليلة في المسار الذي رسمه قائده بكل احترافية عبر تطبيقات التموضع الالكتروني آثرنا أن تكون رحلتنا على مرحلتين الأولى من بلدة البشرية وصولاً إلى سد العسرة عصراً والمبيت هناك والثانية عند الفجر إلى الجبلين والعودة لنفس نقطة الإنطلاق.
بعد أن أمّنا سياراتنا في البلده انطلقنا بمسار مستقيم نحو الجنوب باتجاه غايتنا سد العسره على بعد ما يقارب تسعة كيلو مترات بصحراء نادرة النباتات إلا ما نبت على أطراف الشّعاب والتجمعات المائية المطرية بطريق معظمه مغطى بالشحف الصوانية والبازلت الاسود، وكانت بداية المسار مرحلة إستجمامية سهلة مستقبلين بها بداية الربيع بسحر البادية.
وصلنا للسد الركامي المرصوف جداره بحجاره البازلت لنقيم مخيمنا بأحد الزوايا واخترنا ليلة يكون فيها تمام بدر شهر شعبان المنير للمكان بعيدا عن أضواء المدينة وصخبها للتأمل في النجوم والكواكب والتي لا تظهر بوضوح للعين المجردة إلاّ بصفاء سماء البادية وتلألؤها على صفحة ماء السد الذي استمد اسمة من الحاجة للماء بوسط الصحراء "ماء العسره" كما أخبرنا من جاورنا المخيّم من الأهالي وكيف أن السّد أيضاً أصبح مقصدا للإستجمام لهم ومحطة للطيور بطريق هجرتها، وجدنا حوله بعض الصخور البازلتية وُثّق عليها عدد من النقوش الصفائية جاورها نقش حديث لمحبْ رسم قلبه واسم محبوبته ليخلد أبد الدهر.
كان مخيمنا بسيطا بما حملناه من خيم فردية وكيس نوم وما تيسر من طعام لوجبتي العشاء والإفطار ، وماء كافٍ للشرب ولعمل القهوة وأضوية الرّأس التي حرصنا أن يحمل كلا منا إحداها ضمن أدواته الشخصية لأهميتها.
جبل الأريتين
فما أن لاح ضوء الفجر الأول حتى حزمنا أمتعتنا وتوضيبها باحترافية لنتمكن من حملها مشدوده على أكتافنا متجهين نحو الشرق صوب الجبلين اللذان سميا بهذا الاسم " الرئتين" لتشابه مشهدهم من السماء لشكل رئتي الإنسان وأول من أطلق هذا المسمى عليهما الطيار البريطاني حامل البريد بين الاردن والعراق إبان انتداب بلاده عليهما ليحور الإسم لاحقا حسب اللهجة المحلية الدّارجة للأريتين.
كان الطريق الأسلم لصعودهما من الجانب الجنوبي حسب ما أظهرته الخرائط عبر جهاز جارمن الذي يقدم الإحداثيات بالارتفاع والمسافة بكل دقة، والصعود يحتاج للحذر بموضع القدم لوجود خام الطف الكرميدي الهش المتكسر تحت خطواتنا والذي قد يسبب الانزلاق ولتحاشي ذلك يتوجب ارتداء حذاء ذو نعل عريض وأفضلها ما كان بمواصفات فيبرام شديدة التماسك والثبات واستخدام عصي الإرتكاز والتقيد بتعليمات قائد المسار والقائد الكشاف الذي يسبقة للتاكد من أمان الطريق وسلامتها بفارق ارتفاع مئتي متر ما بين القمة والقاعدة بمستوى متوسط الصعوبة.
فما أن وصلنا القمة الأولى أخذنا مشهد مهيب خيم عليه الصمت وفي الأفق " قيعان " وهي مسطحات مائية تفصلنا عن جبل فحيم وحنون وللشمال قعيس ومقاعس بالقرب من بلدة أم القطين التاريخية والأشهب وحسان وأشهرها تل رماح الذي نسب إليه المجموعة الجغرافية التي نحن بوسطها والغنية بخام اليوزلانه والزيوليت المتكون نتيجة التفكك البركاني ذو الأهمية الكبرى بالزراعة لمعالجة التربة وتحسينها لقدرتة على تحرير النيتروجين والاحتفاظ بالماء الزائد لتخفيف الكميات المحتاجة للري خصوصا بالزراعات الحقلية، وأجود القمح ما نبت حوله ، كما أنه مصدر غني بالجزيئات المعدنية وأيضاً بالأحواض الصناعية لتربية الاسماك.
دعانا ذلك المشهد بعدم مفارقته إلا بفنجان قهوة من فوق حمم البركان والذي خمد منذ مليون عام على أقرب تقدير ولأهميتة نادى العالم الياباني أراماكي لإدراجه ضمن التراث الطبيعي بقائمة التراث العالمي "اليونسكو"، لنستكمل طريقنا لقمة الطور الشقيق سائرين على سيف الجبل فوق تعرجات بين مشهد يجمع القمتين وتوابعها وبينهما فاصل طبيعي يمكن من خلاله الإنسحاب من المسار أو اختصاره.
القمة الثانية لم تكن أقل روعة من شقيقتها لا بل بارتفاع يزيد عن الأربعين متر، احتجنا فيه للحذر والإرتكاز بقوة للنزول عنها بمحاذات الشفا وقد كان يوما مقلع مهجور لاستخراج الخام الكرميدي.
دعانا غرابة المكان للتجوال فية، فهو المكان الذي يظهر بطن البركان من الداخل وكيف تركت فية فقاعات الغاز تجاويف وكهوف متعددة المداخل وحجرات ظهرت كالمقطع التشريحي بعد الحفر ويمكن الإستفاده منه بأن يكون موقع بحثي لدارسي علوم الأرض والمعادن، وما أن نشرنا بعضا لصوره على وسائل التواصل الإجتماعي حتى وردنا العديد من الإتصالات لمنتجي البرامج والأفلام لزيارته لغرابته وتفرّده ليكون موقعا للتصوير والإنتاج السينمائي وعمل وثائقي، أمضينا فيه بعض الوقت بحذر متأملين حوار الشمس والضوء والظل بين ثناياه.
واختتمنا جولتنا من الموقع الجميل متجهين نحو نقطة البداية متمّمين مسارنا السياحي البيئي بإنهاء مسافة ثلاثة وعشرين كيلومتر بنجاح.