كيف يمكن تشكيل عقل منهجي في نقد الدولة ، بعيداً عن روح الانتقام أو العصابية وبعيداً عن التجييش ودفع الفواتير مقابل الأعطيات وتسليك الحال .بات واضحاً أن مفهوم نقد الدولة ، يتراوح بين مَنْ يكسب وبين من يخسر ، متكئاً ( أي هذا النقد ) على مصالح ضيقة بعيدة عن الفكر العلمي وعن مفهوم المصلحة العليا للشعب وللدولة ، فصناع الرأي العام ، يلجئون إلى سرد الأمثلة ( وهي عادةً مضللة ) في إثبات وجهة نظرهم أو دحض وجهات نظر غيرهم ، فصناع الرأي العام يهبون هبة واحدة عند حدوث الحدث ، وقلما نلاحظ اطروحات جوهرية تلامس جذر المشكلة .
فبدل المؤتمرات اليومية المكلفة والتي في جُلّها تشرح المشروح وتفسر المُفسر ، وتنتهي بوجبات غداء مفتوحة ، يعود المؤتمرون إلى القهقهة والأسئلة عن الأحوال ، وأكثرهم كانوا مؤتمرين في مكان آخر قبل أيام ، الوجوه ذات الوجوه ، والآراء ذات الآراء والولوج ألي جوهر المشاكل غائب ، أقول بدل كل هذه المؤتمرات التي تسجل كعلامات مضافة في السير الذاتية للأشخاص والمؤسسات ، يمكن خلق مؤتمرات وطنية وشعبية ، تجعل من صناع الرأي العام مستمعين لمدد محدودة على الأقل للناس والتعرف على همومهم ووعيهم ومطالبهم .
كثير من صانعي الرأي العام وصانعي القرارات السياسية وصانعي الخطط الاقتصادية ( التي تكسر ظهور الناس) يبدون وكأنهم يعملون في مجتمعات افتراضية ، وهمية مُشكلة على ( Power Point Presentation ) فيشرح الشارح ، ويبشر المُبشر ، وهو لا يعرف عن الواقع شيئاً ، الفقراء يزدادون فقراً والأغنياء يزدادون غنىً ، والكذابون يزدادون كذباً والفاسدون يزدادون فساداً ، إن اللقاءات مع الناس ( ولا أقصد الزيارات المضبطة والمفاجئة ) وإنما تجمعات شعبية مفتوحة يحضرها المسؤولون بصفتهم المواطنية أولاً ثم يعودون لعملهم وهم يتحسسون الناس وإحباطاتهم وشكواهم ويأسهم .
أخطر ما يكون على الدولة ومستقبلها هو إدارة الظهر لها من قبل المواطنين ، وإحساسهم بأنهم لا يقدمون ولا يؤخرون ، وأن لاشيء لديهم يمكن أن يسمعه أحد أو يأخذ به.
إذا قرأنا مقالات الكتاب ، والنتاجات الفنية للإبداع ، وخطب المسؤولين ، وأراء المثقفين ووضعناها على شكل نقاط لوجدنا اختصارها يتلخص بالتالي :
• لا أحد قادر على إقناع أحد
• ولا أحد مُقتنع من أحد
• ولا أحد فاهم على أحد
• ولا أحد راض عن أحد
• ولا أحد مؤثر على أحد
• ولا أحد مصدق أحد
مصيبة إذا بقيت الأمور على هذه الشاكلة ، الكل يتذمر من الكل والكل فاقد ( ألهُنا والآن ) والكل يضع الحق على الآخر
إنها إشكالية تشبه سلوك الحرب الأهلية مع الفرق بالأدوات العنفية ، الكل مخطئ والكل خطّاء ، يعني باختصار طاسة وضايعة .
فالمؤتمرات الوطنية واللقاءات الجماهيرية هي مكان أولي لصناعة الأمل عند الناس وخلق إحساس لديهم بجدوى مواطنتهم ووجودهم .
عندما يتشكل في ذهن الناس مفهوم نقد الدولة على أنه جزء من عملية البناء وليس الهدم وحسب ( مع أنه لا بناء بدون هدم ) وإن نقد الدولة ، هو فكر سياسي ومجتمعي ، وممارسته لن تحرمه من حقوقه ، ولن تجعله معادياً لوطنه ، وخاصة أن هناك قوات تدخل سريع مختصة في إجهاض الأفكار ، ولديهم مهارة مصنعية فريدة في التضليل ، وحرف المواضيع عن مقاصدها ، وحرق الهامات المحترمة والمخلصة ، سيفاجأ رأس الدولة أولاً وكل المخلصين للوطن ثانياً بما سيقدمه الناس من مبادرات خلاّقة ، ترشدنا جميعاً إلى احترام الآخرين وآرائهم وأفكارهم .
المهمة الأولى والمُلحة الآن هو عودة الناس إلى جدوى وجود دولتهم بالنسبة إليهم ، وهو موضوعٌ مشرعٌ للنقاش بحس ومسؤولية عالية تحت شعار ( صناعة الأمل ) وأن لا دولة لنا إلاَّ دولتنا ولا مكانٌ يجمعنا إلا وطنناً . faisalzouby@gmail.com