الزلزال والسياسة وازدواج المعايير / ٥
اللواء المتقاعد مروان العمد
25-03-2023 04:14 PM
واليوم سوف اتابع حديثي تحت هذا العنوان عن سوريا ، ففي ساعة مبكرة من صبيحة يوم الاثنين الموافق السادس من شباط للعام الحالي ، استيقظت سوريا على يوم ليس كأي يوم آخر ، وعلى وقع زلزال مدمر استمر اقل من اربعين ثانية ، كانت كافية لزيادة المأساة التي تعيشها منذ اثنا عشرة عاماً . حيث استيقظ سكان شمال سوريا على صوت هدير ، ومشاهد تدمير ، وبنايات تتساقط ، واناس تحت الانقاض ، انقطع النفس عن بعضهم ، وبعضهم يصرخ طلباً للنجدة ، وانين يسمع من بين الانقاض . واناس هائمون في الشوارع على غير هدى لا يكادوا يستوعبون ما حدث . وكانت حمص وحلب وحماة الاكثر تضرراً من الزلزال .
وعلى الفور تحركت فرق البحث والانقاذ تبحث تحت الانقاض ، علها تخرج بعض الاحياء من بينها في حدود الامكانيات المتواضعة والمتهالكة المتوفرة لديها بعد سنين من الحرب الاهلية . مما دعى الجهات المسؤولة لاعتبار هذه المناطق منكوبة ، وطلب الانقاذ والمساعدة الدولية والتي حال دون الاستجابة اليها العقوبات المفروضة على سوريا وبقرارات دولية اممية ، وقانون قيصر الذي اخضع الدول التي تتعامل معها للعقوبات .
الا ان العديد من الدول العربية و العالمية قررت ان تتحدى جميع هذا القرارات ، وان تهب لنجدة سوريا . وكان على رأسها الاردن . حيث قام جلالة الملك المعظم بالاتصال بالرئيس السوري بشار الاسد معزياً بضحايا الكارثة ، وواضعاً امكانيات الاردن لمساعدة سوريا في مواجهة تبعاتها . كما قام معالي وزير الداخلية الاردني ايمن الصفدي بزيارة لدمشق في زيارة هي الاولى منذ اثنى عشر عاماً . والذي اعلن ان الهدف منها اعلان وقوف الاردن نظاماً وحكومة وشعبا الى جوار اشقائهم في سوريا لتجاوز هذه المحنة وتداعياتها . وقد كان لذلك ردود فعل إيجابية على الجانب السوري ، حيث عبر عنها الرئيس السوري بتأكيده على اهمية التعاون الثنائي بين البلدين ، وخاصة ان الامتداد الجغرافي والشعبي بينهما يجعلهما يعيشان تحديات مشتركة . كما ان وزير الخارجية السوري صرح بقوله ان حديث جلالة الملك مع الرئيس السوري كان بلسماً لجراح السوريين ، وان زيارة الصفدي جاءت لتترجم عواطف القيادة الاردنية والشعب الاردني . كما صرح وزير الخارجية الاردني ان قوافل المساعدات سوف ترسل تباعاً من الاردن . وفعلا وبعد مرور ساعات على الكارثة حطت طائرة اردنية في مطار حلب تحمل مواد الاغاثة والمساعدات الطبية والادوية . كما وصل الى الحدود السورية العديد من الشاحنات التي تحمل المساعدات التموينية والادوية والبطانيات والخيم ومياه الشرب المرسلة عن طريق الهيئة الاردنية الهاشمية وهي تنقل المساعدات الاردنية الرسمية، والتبرعات المقدمة من البنوك والمؤسسات والجمعيات الاردنية ، وشركات الادوية والنقابات والمواطنين . وكانت هذه المساعدات تسلم على الحدود السورية ، اما الى الهيئة العليا للإغاثة في سوريا ، او الى وكالات الامم المتحدة العاملة هناك لتقوم بايصالها الى المنكوبين وتوزيعها عليهم . ولا زالت الطائرات الاردنية تهبط في المطارات السورية . ولا زالت قوافل الشاحنات تصل للحدود السورية لنقل هذه المساعدات حتى الآن .
كما زار رئيس مجلس النواب الاردني احمد الصفدي دمشق ضمن وفد الاتحاد البرلماني العربي المشترك اثر انتهاء مؤتمرهم في بغداد . والتقى الوفد الرئيس السوري ، حيث رحب بهم واكد لهم اهمية هذه الزيارة ، وانها تعني الكثير للشعب السوري ، وان هناك مؤسسات عربية قادرة على اخذ زمام المبادرة والتحرك لصالح الشعوب العربية . ومن جانبه اكد الصفدي ان هذه الزيارة تاريخية و ستتذكرها الاجيال المقبلة ، ناقلاً تحيات الشعب الاردني للشعب السوري الذي مر بالعديد من المحن .
ثم توالت المساعدات من بعض الدول العربية وبعض الدول الاجنبة الى سوريا متحدين القرارات الدولية بما فيها قانون قيصر . مثل الجزائر والعراق ولبنان والسلطة الفلسطينية ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت والبحرين وتونس وليبيا والباكستان وايران وروسيا واليابان وفنزويلا .وعدد أخر من الدول التي فاتني ذكرها . والتي كانت ترسل مواد الاغاثة والتموين بالاضافة الى فرق مختصة بالاغاثة والانقاذ ، ومستشفيات الميدان والادوية ، والمساعدات المالية التي تبرعت بها هذه الدول وشعوبها .
وعلى ضوء ذلك لم تجد الادارة الامريكية بداً من اصدار قرار بتعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا بشكل مؤقت ولمدة 180 يوما للسماح بادخال المساعدات الضرورية .
ومع ذلك فقد كان عدد الدول التي استجابت لتقديم المساعدات وحجم هذه المساعدات اقل بكثير من تلك التي قدمت لتركيا و دون المستوى المطلوب . وامتنعت العديد من الدول عن تقديم اي مساعدة بحجة انها لن تقدم مساعدات لنظام بشار الاسد ، في حين ان المساعدات كانت مطلوبة لانقاذ حياة السوريين الذي احتجزوا تحت الانقاض . وتأمين المأوى و الدواء والغذاء للذين شردوا من منازلهم ، او فقدوا كل ممتلكاتهم .
وفي نفس الوقت التي وقفت بعض الدول وخاصة العربية الى جانب الشعب السوري ، انطلقت اصوات عربية تطالب بعدم ارسال المساعدات الى سوريا بحجة ان التنظيمات الشيعية تستولي عليها وتسلمها لانصارها . والبعض رأى ان هذه المساعدات سوف تقوي موقف بشار الاسد الذي قتل شعبه ، وكأن ترك الشعب السوري ليموت بين الانقاض ومن الجوع ونقص الدواء ، ثمناً مقبولاً لكي لا يبقى بشار الاسد في السلطة . وكما قالت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت في اجابة على سؤال فيما اذا كان عدد القتلى العراقيين والدمار في العراق مقبولا كثمن لاسقاط نظام صدام حسين ، حيث قالت نعم انه يستحق ذلك .
سوف يوجه لي البعض الاتهام بأني من مناصري النظام السوري ، في حين ان الظروف الانسانية للشعب السوري العربي كان يجب ان تلغي كل المواقف الاخرى ، وان نترك السياسة واختلاف وجهات النظر مع هذا النظام وراء ظهورنا ، لا بل ان نتجاوز هذه الخلافات والاختلافات . وسيكون لي عودة للحديث عن ذلك في نهاية مقالتي .
يتبع الحلقة السادسة