facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




رفيق الدرب الذي ما زال يحفظ العهد


وليد شنيكات
25-03-2023 10:40 AM

لم تُفارقني ولا للحظة واحدة صورة الطفولة المبكرة في شهر رمضان بما فيها من قسوة العيش ومرارة الأيام، رغم مرور كل هذه السنين الطويلة، حيث كان الناس يتقاسمون مشاق الصوم لا سيما في أيام قيض الصيف مثلما يتبادلون أوجاع الحياة اليومية التي كانت تقذفها في وجوههم بكل ما فيها من بؤس وأحزان، فالجميع كانوا يتشاطرون الهم والقلة في كل شيء، ومع ذلك كانت حياتهم إلى حد ما هادئة هانئة مطمئنة ينامون مرتاحي البال بعد صلاة التراويح وينطلقون مبكرين للسعي في رزق عيالهم.

في تلك السنوات كان رمضان بالنسبة للناس أكثر من مجرد شهر للصوم والعبادة فكان يمثل حياة مصغرة لمجتمع طواه الفقر والعوز، يترنمون لأحوالهم كما يتعبدون لربهم، فلا شيء كان يثنيهم عن الفرح مهما كانت مساحة القسوة والضنك وقلة الحيلة، ونادراً ما تجد داراً تخلو من حكاية يتسامر بها أهلها في مساءات الشهر الكريم، سواء عن شقاء عيش اليوم أو فرح منتظر لزواج ابن أو ابنة، أو مناسبة اجتماعية أخرى أو حتى عن واحدة من قصص "الغولة" التي لم تطرق باب المنزل يوماً كما كان يتخيل الصغار.

الحياة نفسها لم تتغير لكن كان هناك بركة ومحبة في كل شيء، الجار يتفقد جاره في رمضان وغير رمضان والأهل تجدهم مثل قبضة اليد الواحدة متوحدين متماسكين لا يفترقون مهما كانت النوازل وأعباء الحياة، وأذكر كيف كانت بعض العائلات تتناول طعام الإفطار بينها بالتناوب، ومن لم يستطع منهم فإنه يقدم بعض الأطباق إلى جيرانهم، وكان رب الأسرة أيضاً يصطحب معه زوجته والابن الأكبر فقط وليس كل العائلة للتخفيف على المضيف، وهذه العادة الاجتماعية على تواضعها كانت تنشر الفرح والبساطة بين الإخوة والجيران.

أيضاً، كانت موائد رمضان متشابهة إلى حد ما ومن كان وضعه أفضل فإنه يعزز مائدته بإضافة بعض الأطباق، وهي دائماً لا تخلوا من قائمة الأكلات الأردنية الشعبية الأصيلة مثل المجدَّرة والمقلوبة والجريش والبرغل ومنسف الدجاج وحتى "البحتة - رز بحليب"، وخبز الشراك وشوربة العدس وعصير "قمر الدين" الأصلي ذو الطبقات الخمس، حتى التمر لم يكن متوفراً عند كل عائلة. ولو علم الناس آنذاك أن زماناً سيأتي تكون فيه الوجبات السريعة مثل البيتزا والبرغر وأخواتها فطوراً في رمضان لظنوا أن هذا ضرباً من الخيال وربما هو من طعام أهل الجنة، الذي يسمعون عنه.

حياة الناس في رمضان كانت سهلة وبسيطة لا تصنّع فيها، وهذا يعود إلى أن مستوياتهم المعيشية متشابهة، بمعنى كلهم من نفس الطبقة، في الملبس والمأكل وحتى الوظيفة، بعكس اليوم تجد في المنطقة نفسها عدة طبقات الفقير والغني وما بينهما وهذا ما تلحظه في مظاهر حياتهم. سابقاً نادراً ما تجد في كثير من المناطق موظفاً يحظى بموقع متقدم بالدولة باستثناء المحافظات الرئيسية وهو يمثل وجهة للوساطة، وتبقى الأرض والزراعة هي مصدر الرزق الرئيسي في حياة الناس وما تغلّ عليهم من خيرات تسد قوت يومهم.

أيضاً تغيرت العادات في رمضان فبعد أن كانت البيوت مفتوحة على بعضها والناس تتزاور وتسهر وتستمتع بأكل القطايف، أصبحت الزيارات اليوم بمواعيد مسبقة مثل المستشفيات، بسبب انتشار التليفونات التي جعلت من القريب بعيد والبعيد قريب.

أتخيل جيلي آنذاك كيف كان حاله وهو لم يفقه بعد معنى الإنترنت أو تقنيات الاتصال الحديثة التي تتغذى اليوم على ما تبقى لنا من راحة وهناء، وتلتف حول رقابنا أسلاك التكنولوجيا المخيفة مثل دود طفيلي، فمثلاً، الواتساب وسناب شات وإنستغرام وغيرها من وسائل التواصل أصبحت طبقاً شهياً على موائد الغروب والسحور وربما أكثر من ذلك، فقد صرنا نلجأ إلى هذه المخلوقات لتمضية الوقت ونحتال بها على صيام النهار.

كان الراديو والتلفزيون بالأبيض والأسود أقصى ما يتمناه ذاك الجيل، ومسلسلات السهرة في غاية العفة والاحتشام وتحكي واقع الناس، وأفراد الأسرة متسمرين أمام التلفزيون بانتظار المسلسل، وهي ذات المسلسلات التي نسميها اليوم بمسلسلات الزمن الجميل، بسبب ما تعرضه القنوات من أعمال مخجلة، فرمضان أصبح سوقاً لكل شيء وعليك أن تختار ما تريد.

شهر رمضان مناسبة ثقافية وتربوية ودينية نفتش فيها عن حالنا وأشياء كثيرة كانت تغيب عنا في هذه الحياة منها ما هو تعبدي وما هو إنساني ونتقاسم مع الشهر الفضيل لحظات شوق وتأملات، ونستمر في الرحلة التي تسكن مواقع عميقة في أنفسنا إلى النهاية، وحتى بعد انقضاء الشهر هناك حالة توحّد وتوجّد ودموع ووداع على ذهاب رفيق الدرب الذي ما زال يحفظ عهده معنا ولم يخلفه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :