الزلزال والسياسة وازدواج المعايير /٤
اللواء المتقاعد مروان العمد
23-03-2023 03:25 PM
والآن سوف انتقل في حديثي الى سوريا وما حصل فيها نتيجة هذه الزلازل والهزات المدمرة . وكمقدمة اقول ان حديثي سيكون عن سوريا كما هي في حدودها الطبيعية والتاريخية . والتي شهدت في الاثنا عشر عاماً الماضية الكثير من الاحداث ، والانقسامات ، واعمال العنف ، والقتل ، والتدمير . و شهدت التدخلات الخارجية في صناعة احداثها . والتي اطلق عليها زورا وبهتاناً اسم الربيع العربي . والذي هو ليس الا الخريف العربي . لا بل الخرف العربي كما اطلقت عليه في حينه . كما شهدت تشكل المحاور المختلفة ، ومراكز القوى التي تسعى لفرض سيطرتها على سوريا . و شهدت ظهور اكثر تنظيمات الارهاب دموية وعنفاً وشراسة في التاريخ ، مثل تنظيم داعش والنصرة واللذان ولدا من رحم القاعدة ووكالات المخابرات الدولية . وشهدت عنف النظام في التصدي لتنظيمات المعارضة ، وعنف تنظيمات المعارضة في صراعها مع النظام . والى درجة قلت في حينها انه لا يوجد نظام في سوريا ، ولا توجد تنظيمات معارضة فيها . بل يوجد ارهابيين يقتلون بعضهم بعضاً ، ويقتلون الشعب السوري الاعزل . مستخدمين كل اسلحة الموت والدمار . ومستعينين بكل قوى الشر الخارجية ، والهادفة لفرض سيطرتها على الاراضي السورية ونهب ثرواتها .
وقد كانت البداية باحتجاجات قام بها بعض ابناء الشعب السوري ضد نظام بشار الاسد في محاكاة لاحداث الربيع العربي الذي كان قد انطلق في عدد من الدول العربية ، والتي تم مواجهتها من قبل النظام بالشدة والعنف . وهنا كانت الفرصة لدعاة الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الجديد للتدخل وعسكرة هذه الاحداث من اجل تدمير سوريا . حيث خصصت مبالغ مالية ضخمة لذلك بلغت تريليوني دولار ، دفعت من قبل بعض الدول العربية والغربية (كما ذكر الشيخ حمد بن جاسم والذي كان وزير خارجية ثم رئيس وزراء قطر ) بهدف تمويل حركة الاحتجاجات هذه ، و اغراء عناصر الجيش السوري واعضاء الاجهزة الامنية وكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين وافراد الشعب للانشقاق عن نظام بشار الاسد ، والانضمام الى فصائل الجيش الحر ، وذلك مقابل مبالغ مالية تدفع لهم . وقيام هذه الدول بتزويد هذه الفصائل بالمال والسلاح والعتاد لتقاتل النظام وانصاره . و لتقاتل بعضها اذا لزم الامر ، بحيث اصبحت هذه الجيوش والتنظيمات مجموعات من المرتزقة التي تعمل لحساب الدول الراعية لها .
وقد خلفت هذه الاحداث مئات الالاف من القتلى والجرحى من ابناء الشعب السوري ، بالاضافة الى ملايين المشردين منهم في دول الجوار ، ومختلف دول العالم ، بالاضافة الى دمار شامل في جميع انحاء سوريا ومبانيها وبنيتها التحتية . وما لم يتم تدميره بالمعارك تخلخلت اساساته واصبح عرضة للسقوط في اي لحظة . وقد ادى ذلك الى انهيار الاقتصاد السوري ومصانعه التي كانت تصنع كل شيئ ، وجفت موجوداته الا من السلاح . وفرضت عليه العقوبات من مجلس الامن ، وهيئة الامم المتحدة ، ودول العالم المختلفة ، و ليكتمل عقدها بقانون قيصر ، والتي امتد تطبيقه ليشمل كل انحاء سوريا ، بحيث اصبح لا يدخلها الا النذر اليسير من المساعدات ومن خلال معابر محددة . وتحت اشراف الامم المتحدة المباشر . والمقتصرة على المساعدات الانسانية ، والتي لا تشمل الآليات الثقيلة ، بما فيها اجهزة الانقاذ ومعداته ، والتي كان المتواجد منها في سوريا مستهلكاً ولا يلبي الحالات الضرورية الطارئة .
ليأتي بعد ذلك هذا الزلزال بمثابة رصاصة الرحمة على جسد انهكته النزاعات والحروب ، وقصف الطائرات من مختلف الجنسيات ، والبراميل المتفجرة ، والاسلحة الكيماوية . ولتكون هذه الاحداث من اسباب تعاظم خسائر سوريا في هذا الزلزال المدمر . وخاصة مع مهزلة ازدواج المعايير التي تم التعامل بها مع هذا الحدث في سوريا من قبل مختلف الدول .
وهذا الامر سوف يجعلني اتناول الاحداث في سوريا من موقعين . الموقع الاول حيث يوجد النظام واشياعه وانصاره ، مثل روسيا وايران وتنظيمات الحشد الشيعي ، وحزب الله اللبناني . والموقع الثاني حيث تتواجد تنظيمات المعارضة ، والتنظيمات الارهابية والتكفيرية في شمال غرب سوريا . وحيث تتواجد قوات تركية تدخلت في سوريا بحجة حماية الشعب السوري ، وتنظيمات المعارضة ، والتصدي للتنظيمات الكردية المسلحة . هذا غير منطقة شمال شرق سوريا ، حيث تتواجد اغلبية كردية تم استثمارها لزيادة حالة التشرذم والانشقاق في سوريا ، وبدعم امريكي غربي . وحيث تم صناعة تنظيمات كردية مسلحة تسعى لتشكيل كيان كردي مستقل يمتد الى اماكن تواجد الاكراد في سوريا والعراق وايران وتركيا . وهذه المنطقة وان لم تتأثر كثيرا بالزلزال ، الا انه مما لا شك به فقد لعبت دوراً كبيراً في انشطار سوريا الطبيعية .
ووسط هذا كله جاء هذا الزلزال المدمر ليصيب مناطق سوريا التي ذكرتها . و ليتعرض الشعب السوري لاهواله ، وهو لا يزال يعيش اهوال الزلزال الامني والحصار الدولي عليه . وهذا ما سوف اتحدث عنه في باقي مقالتي ، كما سوف اتحدث في النهاية عن سوريا الدولة ، وعن حقها بالحياة بأمن وامان . وان تعود لحضن محيطها العربي ، او ان يعود هذا المحيط اليها .