مبادرة الصين للسلام .. ماذا عنها ؟
د.حسام العتوم
23-03-2023 12:49 PM
يحلو للمحللين السياسيين المنضوية أقلامهم تحت مظلة المدرسة الأمريكية الكتابة والاعتقاد بأن القمة الصينية - الروسية في موسكو جرت تحت رعاية أمريكية وبأمر أمريكا وذلك بسبب لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن بنظيره الصيني شي جينبينغ في جزيرة بالي في أندونيسيا بتاريخ 14 تشرين الثاني 2022 على هامش اجتماعات قمة العشرين هناك، والقمة الصينية – الروسية لم تتخصص بمبادرة السلام الصينية بشأن العملية الروسية العسكرية الخاصة الدفاعية الحرب "الروسية – الأوكرانية – ومع حلف " الناتو" بالوكالة فقط، رغم أهمية المبادرة هذه بعد عام على اندلاع العملية / الحرب التي يريد لها الغرب بقيادة حلف " الناتو" بقيادة أمريكا أن تستمر لكي تضمن عدم انتصار روسيا الاتحادية فيها، ولإستمرار الحرب الباردة وسباق التسلح اللذان هما مصلحة غربية استراتيجية خاصة بعيدة المدى، وتوجهت القمة الصينية – الروسية عبر ثلاثة أيام لعقد اتفاقات اقتصادية ضخمة، وفي مقدمتها ما له علاقة بمادة الغاز الروسية الهامة التي رفضها الغرب عبر المشروع الروسي " نورد ستريم 2 " وبأمر من أمريكا التي تحيك المؤامرات ليل نهار ضد هيبة روسيا الإتحادية – القطب والدولة العملاقة مساحة " أكثر من 18 مليون كلم 2 " وعلى مستوى السلاحين التقليدي والنووي الذي تحتل فيه الرقم "1" عالميا، وماله علاقة بالبترول، وليس صحيحا كما يشيع اعلام الغرب ومن يقلده من اعلامات الشرق بأن روسيا تحتل الرقم " 2" عسكريا، وهوما نسمعه عبر منصات المحللين العسكريين المتقاعدين في منطقتنا العربية .
وجمهورية الصين الشعبية اليوم قطب شرقي عملاق اقتصاديا وعسكريا أيضا، ويلتقي وينسجم مع القطب الروسي العملاق أيضا تحت مظلة الدفاع المشترك بوجه تغول عالم القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وعلى كافة المستويات، ويشكلان وحدة حال في مجلس الأمن، ويستخدمان حق " الفيتو" معا لإثبات حقهما في المساهمة في مواصلة بناء عالم متعدد الأقطاب تختلف سياساته 24 درجة عن عالم القطب الواحد المرشح للإنهيار، وفي الوقت الذي تقف فيه روسيا والصين علنا مع عدالة القضايا الدولية وعبر الحوار مثل الأوكرانية والفلسطينية، تذهب أمريكا دائما للتصعيد والمراوغة والصراع وللحروب المأجورة، والى موسكو حمل الرئيس الصيني شي مبادرة سلام من 12 نقطة تتصدرهن الدعوة للحوار العقلاني وللوصول الى حلول عقلانية وسط نيران عملية عسكرية روسية خاصة وحرب مع غرب أوكرانيا ومع حلف " الناتو" بالوكالة، تعقدت أوراقها بسبب حرص الغرب على أهمية استمرارها، والجانب الروسي المنتصر بوضوح في الحرب الأوكرانية الدائرة رحاها في منطقة " باخموت " في أطراف " الدونباس " لا يقبل الا بسلام الأمر الواقع بمعنى دعوة " كييف " وعواصم الغرب التي تتقدمهن " واشنطن " الى الإعتراف بالأقاليم الأربعة "دونيتسك، ولوغانسك " الدونباس "، وزاباروجا، وخيرسون " الى جانب " القرم " جزءا لا يتجزء من السيادة الروسية الأبدية تماما حسب معطيات التاريخ الروسي العميق وسط الأراضي الأوكرانية، والمعروف هو بأن فلاديمير لينين قائد الثورة البلشفية هو من صنع أوكرانيا لتصبح وقتها منطقة زراعية سوفيتية، وبأن نيكيتا خرتشوف الزعيم السوفيتي – الأوكراني الأصل، هو من حرك اقليم " القرم " الروسي تجاه الأراضي الأوكرانية بحثا عن مخرج مائي حيوي مفيد للزراعة وللتجارة، والعاصمة " كييف " يطلق عليها الروس والسوفييت إسم "كييفسكايا روس "، أي " كييف " الروسية .
ولقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لضيفه الرئيس الصيني شي جين بينغ في موسكو العاصمة قبل أيام بأن الغرب يريد حربا مع روسيا حتى اخر أوكراني، وأجاب الرئيس الصيني بأن بلاده تعمل مع روسيا لحماية القانون الدولي، وكلاهما أي الروس والصينيون يفهمان لعبة الغرب، والتي تتقدمها أمريكا وتستهدفهما معا، والمعروف علنا بأن القطب الواحد الغربي الأمريكي متعالي ولا يقبل بعالم الأقطاب العالمية المتعددة المستقلة، بينما عين الغرب على كل دول العالم، ولو رغب الغرب بقيادة أمريكا حل معضلة الحرب الأوكرانية لزج نفسه وسيطا حميدا تماما كما فعلت الصين والدول العربية قبلها عبر وزراء الخارجية، لكنه، أي الغرب خطط مبكرا لتحويل " أوكرانيا " لمحرقة تشبه " الهولوكست " للوصول الى روسيا والصين معا، والى كل دولة في شرق وجنوب العالم لا تنسجم وتطلعاتهم واستراتيجياتهم الرمادية، ولقد كتب وتحدث في تقدمة كتابي الجديد لعام 2023 حول العملية / الحرب في " الدونباس " في أوكرانيا الشرقية سابقا والتي دخلت السيادة الروسية بعد النجاحات الروسية العسكرية الميدانية عامي 2022/ 2023، وهي الملاحظة بقوة الان، كتب دولة طاهر المصري قائلا "بأن صراع حضارات يحدث الان ، واستهداف للصين عبر روسيا، وتحويل لأوكرانيا للضحية، وهي نظرة حكيمة حملت معاني دقيقة وبعيدة المدى .
والخطوة الصينية المحترمة بالاقتراب من روسيا الاتحادية ليس بشأن حربها عبر عمليتها العسكرية الخاصة في منطقة " الدونباس " والتصادم مع نظام " كييف " الذي بدأ الحرب على روسيا بمساندة التيار البنديري المتطرف والغرب الأمريكي فقط، ولكن لفتح افاق التعاون الاقتصادي معها وعلى مصراعيها، وحجم التبادل التجاري بينهما وصل الى 180 مليار دولار وهو مرشح للوصول الى 200 مليار دولار، وهو المطلوب، والمساعي الصينية صوب السلام ستواصل طريقها لتلتقي الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي ليقبل بسلام الأمر الواقع، وليبتعد عن تأثيرات الغرب السلبية الداعية لتزويد عاصمته " كييف " بالسلاح الحديث غير النافع، وغير القادر على دحر روسيا سينتيمترا واحدا الى الخلف، أو اجبار "موسكو" على الجلوس مع "كييف " للتفاوض على مستقبل " الدونباس " أو" القرم " اللذان أصبحا جزءا لا يتجزأ من السيادة الروسية والى الأبد بسبب استدارة النظام الأوكراني الغربي في " كييف " تجاه الغرب، وليس تجاه الإتحاد الأوروبي فقط، وانما تجاه حلف "الناتو" المعادي لجارة أوكرانيا – روسيا الاتحادية، والتوجه لإنتاج قنبلة نووية وأخرى منخفضة القوة لمماحكة روسيا والضغط عليها لكي لا تمنعها من ضم " الدونباس قسرا"، وهي، أي " كييف " التي تسببت في جريمة حرب في شرق وجنوب أوكرانيا راح ضحيتها أكثر من 14 الف مواطن أوكراني وروسي، ولكي تتمكن " كييف " من اعادة اقليم " القرم " حسب حلمها وهاجسها السرابي، وبريطانيا تلعب بالنار في وعدها لكييف بسلاح مغموس بالنووي . والحوار الصيني الأصعب حول الحرب الأوكرانية سيكون مع العاصمة الأمريكية " واشنطن "، ومع الرئيس جو بايدن، وهو الذي لايقبل كما الغرب النصر لروسيا في حربها الدفاعية التحريرية، ويسعى لديمومة الحرب الباردة وسباق التسلح لإرهاق دول العالم الناهضة وفي مقدمتها روسيا والصين .