الشاعر محمود التل في ديوانه الجديد :في ظلال الحلم
د. محمد ناجي عمايرة
23-03-2023 12:14 PM
كانت مفاجاة سارة لي حين زارني الصديق الشاعر محمود فضيل التل قبل ايام ليهدي إلي نسخة من ديوانه الجديد : (بانتظار الحلم ) الصادر حديثا عن دار : الآن للنشر والتوزيع ، بدعم من وزارة الثقافة .
والشاعر التل صديق وفي وزميل عزيز عملنا معا في وزارة الثقافة في تسعينيات القرن الماضي خلال إشغالي منصب الأمين العام للوزارة ( ١٩٩١ الى ١٩٩٦م ) وكان مساعدا للأمين العام ومديرا بالنيابة للمركز الثقافي الملكي ، وهو من الشعراء اأاردنيين البارزين المعروفين على الصعيدين الوطني والعربي . وله بعض الدراسات المنشورة حول العمل والعمال والثقافة العمالية والمهنية .
وديوانه الجديد هذا هو الإصدار الخامس عشر من مجموعاته الشعرية منذ "اغنيات الصمت والاغتراب "عام ١٩٨٢ وحتى "لقاء الليل "عام ٢٠٢٢ .
وقد سبق لي ان اطلعت على معظم نتاجه الشعري والنثري منذ ان تعارفنا عام ١٩٦٩ إلى اليوم ، حيث بيننا علاقة مودة وصداقة وثيقة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون والتفاهم، ، قبل ان يجمعنا العمل في وزارة الثقافة بسنوات طويلة .
والشاعر التل من اقرباء شاعر الاردن الكبير مصطفى وهبي التل ( عرار ) وبينهما تلاق وتشابه في الحرص على الثوابت الوطنية والقومية، ورسالة الشعر الانسانية.
وإذ اشير إلى ذلك ؛ فلانني لا اريد لهذه المقالة ان تقتصر على الديوان الجديد الصادر اواخر عام ٢٠٢٢ م ، بل ان تتناول شعر الشاعر ومسيرته وثقافته انطلاقا مما بيننا من جوامع مشتركة في الادب والشعر والثقافة والحياة .
الشاعر التل مثقف ومهتم بتجويد ادواته الشعرية وحريص على جمع نتاجه في كتب ، وتوثيق مسيرة حياته بدقة.
ويشير في اواخر صفحات الديوان الى انه م(مواطن عربي من الاردن ) ولد في اربد عام ١٩٤٠ م وتخرج من الجامعة الأردنية متخصصا في علم الاجتماع عام ١٩٦٦ ليكون من طلبة الفوج الأول المتخرجين في الجامعة الأردنية .
وهو واضح وصريح وودود في علاقاته الانسانية محب للناس متواصل معهم . و هذا ما ينعكس في شعره الذي ينهج فيه نهج عمود الشعر العربي الموزون والمقفى وإن كانت له قصائد قليلة على شعر التفعيلة او الشعر الحر بعامة .
وحين اشرت في مستهل هذا المقال إلى انه فاجاني بزيارته الأخوية فقد كانت المفاجاة لأني أعلم انه يعاني بشدة من مرض السكري ، وانه قليلا ما يخرج من بيته إلا للضرورة.
وقد سبق ان تبادلنا الزيارات غير مرة لكن المرض اشتد عليه مؤخرا ، وكان الاولى ان اذهب اليه لأعوده ، ولكنه بادرني مشكورا بهذه الزيارة التي اسعدتني.
وحين اكتب هنا عن رايي في شعره فاني اضع موجبات الصداقة جانبا ؛ لأتحدث بموضوعية وبلا مجاملة .
فشعره يتميز بالوضوح والسلاسة ، والمباشرة احيانا ، ولا يميل الى التعابير الغامضة والصور الغريبة والتعقيد اللفظي . وهو ينهل من تجربة عميقة وثقافة واسعة واتصال وثيق بالتراث الشعري العربي القديم ، إلى جانب متابعته للشعر العربي الحديث ، والتجارب الجديدة لكبار الشعراء العرب . وقد نال شعره الكثير من التقدير من جهات ثقافية اردنية وعربية عديدة ، و اهتم به اساتذة الجامعات الأردنية ؛ فوجهوا انظار طلبة الدراسات العليا إلى إعداد عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه عن حياته وشعره ، اما الديوان الجديد فهو لا يختلف كثيرا عن نمطه الشعري في المجموعات السابقة ؛ لا في الموضوعات ولا في نهج القصائد التي تميل الى الغنائية لبساطة الفاظها ووضوح معانيها وصورها وتعبيراتها . اما المضمون فيتراوح بين الغزل والوطنيات والقوميات والإخوانيات والإنسانيات . ولعل اهم ما اود ان اشير اليه هنا هو هذه الشفافية الآسرة التي تنسجم مع طبيعة نفسه الشاعرة ، وتعكس عمق علاقاته الإنسانية .
وانا لم اتعامل مع هذا الديوان بوصفي ناقدا بل بصفتي قارئا محبا للشعر مفتونا بالصور الجميلة ؛ ولست معنيا بتسقط العثرات . واترك امر التقييم النهائي للنقاد المعنيين . اما ملاحظتي الاخيرة فهي ان القصائد التي ضمها الديوان يحركها القلق والتوتر وتسودها نغمة تشاؤمية حتى في العناوين مثل : تائه بلا قرار ، بكاء القلب ، و الوداعية الأولى والثانية والثالثة ،وهذه الدنيا هباء ، في ظلال الحلم وضباب العمر.
ولعلي المح أثر المرض الذي يعاني منه شاعرنا المبدع وراء هذه النغمة الحزينة .
، وفي قصيدة : "جميل القصائد "
نجده يقول :
( اتيت الحياة فكانت عذابا
وغيري على كل حب تدلل.. )
ولا اجد سببا غير المرض وما يصاحبه من قلق والم وتوتر لتفسير هذا التشاؤم . وهو ما يفصح عنه الشاعر في قصيدة
"هذه الدنيا هباء "حين يقول :
"واعتلى الشؤم حياتي
و اعتراني الياس فيها
من دمار لانهيار "
هذه الدنيا هباء "
بقي ان اشد على يد الشاعر الصديق (أبي مناف )واحييه باعتزاز ، واقول له انني اراهن على ان هذه الموجة المتلفعة بغيوم الياس ستفضي إلى زوال ، بمشيئة الله. ومن قصيدة اخرى اقتطف قوله :
"على الدنيا سلام!ن اضعنا
طريق الحب ..
هذا المستحيل ".