من يسمع عندما تكتب الصحافة عن الفساد?
سلامه الدرعاوي
12-12-2010 02:23 AM
جرت العادة في الدول المتحضرة ان تباشر اجهزتها الرسمية سواء الحكومية أو المنتخبة بالتحقيق فيما تثيره الصحافة من قضايا يشتبه فيها الفساد , وفي النهاية تصل الحقيقة الى صانع القرار والرأي العام معا, ويأخذ القانون بعد ذلك مجراه في متابعة تداعيات القضية مع كافة الجهات ذات العلاقة حتى الناشر يحاسب حينها ان اخطأ او اساء او لم يثبت صحة ما ادعاه, فيكف الحال بالاردن بالنسبة للعلاقة بين الاعلام والمؤسسات الرسمية خاصة المعنية بمكافحة الفساد?.
التجارب السابقة تشير صراحة الى ضآلة استجابة الدولة الى القضايا التي تتناولها الصحافة والتي تتعلق بها شبهة فساد, فسرعان ما يتم اتهام الاعلام باغتيال الشخصية دون النظر الى مضمون المادة الاعلامية, ويتم الاساءة للصحافيين بكافة الاشكال من قبل بعض المسؤولين الذين لا يكلفون انفسهم بالتدقيق في شبهة الفساد المثارة, ويتوعدون الاعلام بالعقوبات والتهديدات لدرجة ان المراقب يشعر ان المسؤول في الدولة يمنح نفسه حصانة مطلقة من المساءلة.
طبعا اكثر شيء يتغنى به المسؤولون في اطار مدافعتهم من انفسهم وابعاد شبهة الفساد عن اعمالهم هو مطالبتهم المستمرة للاعلام بالكشف عن ادلة تثبت ما يدعونه دون ان تقوم الاجهزة الرسمية المعنية بالتحقيق لما تملكه من ادوات حقيقية تستطيع الكشف عن خبايا الامور, لكن للاسف هي كلمة حق يراد بها باطل.
هناك الكثير من القضايا التي تضمنت شبهات فساد اثارتها »العرب اليوم« ولم تلق اي ردة فعل رسمي رغم وجود تحقيق كامل عن تلك القضية, فالكل يتذكر قضية عطاءات العقبة التي اوقفها رئيس الحكومة في سنة 2008 وجرى بعدها تحقيق رسمي اشرفت عليه لجنة نيابية, خرجت بنتائج خطيرة في التحقيق حول حقيقة عطاءات العقبة, فماذا فعلت اجهزة مكافحة الفساد بالتقرير الموجود في ادراج النواب ?, لماذا لا تطالب الاجهزة المعنية بالكشف عن نتائج التحقيق في العطاءات ?, هل يعتبر هذا تسترا رسميا على قضايا شابها الفساد واثارت استياء الرأي العام ?.
الامر ايضا لا يختلف عن برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي تتهمه الصحافة بانه اهدر اكثر من 356 مليون دينار على مشاريع وخطط لم تكن ذا فائدة على الاقتصاد الوطني, وقد تم اجراء تقييم فني من قبل شركات مختصة حول فاعلية البرنامج لكن للاسف كما هي العادة جرى تخبئة التقييم في ادراج كل من الحكومة ومجلس النواب, فما هو موقف هيئة مكافحة الفساد من تلك القضية التي تثيرها الصحافة ? لماذا لا يتم الكشف عن تفاصيل تقييم البرنامج واظهار الحقيقة للرأي العام ومن ثم اما محاسبة القائمين عليه او الصحافي الذي اثار القضية.
استغرب من ردة فعل الاجهزة الرسمية حول قضية بحجم كازينو البحر الميت والذي كاد ان يسبب خسائر بملايين الدنانير على الاقتصاد الاردني نتيجة الاتفاقية التي ابرمتها احدى الحكومات سرا, فلا نجد من يحرك ساكنا لا من النواب ولا من الهيئات والمؤسسات الرقابية حول حقيقة تلك الصفقة المشبوهة.
يا ترى ما هو موقف هيئة مكافحة الفساد من مشروع سكن كريم الذي تم تلزيمه من قبل الحكومة السابقة الى نواب مقاولين, واليوم المشروع المتعثر تسبب بخسائر بلغت عشرات الملايين من ميزانية الدولة.
كيف تنظر هيئة مكافحة الفساد للوزراء الذين حصلت مكاتبهم القانونية على عقود حكومية بملايين الدنانير وهم على راس عملهم وكل ما قاموا به ترجمات لانظمة وقوانين غربية سرعان ما فشلت عند التطبيق على ارض الواقع.
قضايا الفساد في البلد كثيرة ولا تحتاج الى كتاب للحديث عنها او لاثارتها, كل ما نحن بحاجة اليه هو ارادة حقيقية لمحاربة الفساد والابتعاد عن المزاجية, وتطبيق فعلي للقانون فقط لا غير.0
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)