تدهورت العلاقة بين الأردن واسرائيل بشكل متسارع، وقد قيل سابقا، انه ليس من مصلحة الأردن استقبال رئيس الحكومة الاسرائيلية، ولا عقد قمة العقبة الامنية، لان اسرائيل لها تاريخ سياسي ممتد، من الانقلاب على كل شيء، بل وتوظيف اي اقتراب لتنفيذ اجندات محددة.
يأتي هذا التدهور قبل يوم او يومين من شهر رمضان، وفيه سيكون المسجد الاقصى الذي يرعاه الأردن في عين العاصفة، مع الاعياد اليهودية، والمؤشرات التي تقول ان اسرائيل سوف ترفع درجة التحدي للأردن في هذا الملف تحديدا، بما يعني ان المشهد مفتوح على كل الاحتمالات اليوم.
هذا التدهور جاء بسبب ظهور وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في باريس وهو يقف خلف خريطة تضم فلسطين وأجزاء من سورية ولبنان وكل الأردن، في رسالة واضحة حول مشروع إسرائيل الإستراتيجي، وكأنه يقول للأردن ان هذا البلد اسرائيلي ايضا، وسيأتي دوره قريبا.
ردة الفعل الأردنية كانت غاضبة بشدة، من استدعاء السفير الاسرائيلي، الى التعبيرات السياسية، وصولا الى ردة فعل الاسرائيليين الذين اجروا اتصالات لتخفيف حدة رد الفعل الأردني، وهي اتصالات تلاعبت بالمعنى والموقف، وحاولت التذاكي وتخفيف كلفة ظهور الأردن في الخريطة الاسرائيلية، ثم جاء ما فعله الأردن بعيدا عن العلن، من ابلاغ للاوروبيين حول التصرفات الاسرائيلية، اضافة الى الادارة الاميركية، في حملة أردنية ارادت توظيف التصرفات الاسرائيلية سياسيا على مستويات مؤثرة، وهي التصرفات التي وصلت حد انكار الوزير الاسرائيلي، لوجود الشعب الفلسطيني، وكأن الفلسطينيين ينتظرون شهادة ميلادهم منه، وهذا انكار يعني ان لا دولة ابدا لشعب غير موجود، وفقا للمعيار الاسرائيلي الاستيطاني المحتل.
يخرج نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية ايمن الصفدي ليقول صراحة إن على الحكومة الاسرائيلية الإعلان بشكل واضح أن تصريحات وتصرفات وزيرها سموتريتش لا تمثلها، وأن مسؤولين اسرائيليين تواصلوا مع الأردن عقب التصريحات، وعبروا عن ذلك بطريقة او بأخرى، والتصريحات العنصرية الاستفزازية التي أطلقها وزير المالية في الحكومة الإسرائيلية وعلى خريطة مزعومة لإسرائيل تضم الأردن وفلسطين تعكس فكرا إقصائيا متطرفا.
لا بد من اجراءات اليوم بشأن اسرائيل، ومراجعة كل الخيارات، اذ لا يعقل ان يتم عقد معاهدة سلام مع طرف يحلم بأن يحتل ارضك، ولا يجوز ان يواصل الأردن فتح حدوده للمجموعات السياحية الاسرائيلية، التي لا يضمن احد امنها اليوم، في ظل التصرفات الاسرائيلية واجواء الشحن المعنوي بسبب الاسرائيليين ذاتهم، ولا يناسب ان يستمر الاعتماد على الماء والغاز الفلسطيني المنهوب اسرائيليا، ولا نقبل ان تتواصل التجارة بين الجسور، ولا يجوز ايضا ان يتواصل التنسيق الامني والفني، ولا يصح ان نقف عند حد استدعاء سفيرنا، او طرد سفير الاحتلال، ولا يفترض ان يسكت الأردن على العراقيل الاسرائيلية في وجه عمليات الترميم للحرم القدسي، ولا يجوز ان نستقبل مسؤولين امنيين وسياسيين، لأي سبب، او حتى المشاركة في قمم اقليمية مثل النقب، مثلما ان على الولايات المتحدة واوروبا التدخل لوقف هذه التصرفات.
لقد سقط القناع الاخير عن وجه الاحتلال، وهذا قناع كان ينطلي على السذج، ومصلحتنا في الأردن، مساندة الفلسطينيين في الداخل بكل الوسائل الممكنة، وهم الذين يتولون مهمة الوقوف في وجه الاحتلال نيابة عن امة كاملة، مثلما يتوجب ايضا، ألا يتراجع الأردن امام تهديده المباشر، وكأن الأردن بلا شعب ولا هوية، ولا ارادة ولا سلاح، وكأن احتلاله سيكون نزهة صيف.
يتوجب ان نشكر المتطرفين في اسرائيل، كونهم ذكروا المتغافلين بحقيقة المشروع الاسرائيلي، وهو مشروع يتعثر بالشعب الفلسطيني، وبمشاكل الاحتلال، وما يمثله الأردن من مكانة دولية تساعده كثيرا في وقف الاطماع الإسرائيلية، وما يمثله الشعب الأردني من قيمة تدرك من هو عدوها.
(الغد)