سياسات الانفاق العام .. بين التخفيض والترشيد
د. محمد أبو حمور
22-03-2023 12:45 AM
تعاني المالية العامة في الاردن من تحديات عدة بما في ذلك العجز المزمن وما يترتب عليه من تصاعد في أعباء الدين العام وتراجع في مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وهيكل النفقات العامة الذي تطغى عليه النفقات الجارية والاعتماد المفرط على الضرائب غير المباشرة وغيرها من المصاعب والتحديات، ناهيك عن التحديات الاخرى المتعلقة بالبطالة وتواضع نسب النمو والضغط على الموارد الاقتصادية والخدمات العامة الناتج عن موجات الهجرة والظروف الاقليمية، كل هذه التحديات تتطلب نظرة متأنية تهدف الى مواجهة التحديات والعمل على التعامل معها وفق منهجية تقلص مخاطرها للحد الادنى وتتيح الاستفادة من الفرص المتاحة والسير قدماً لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والحفاظ على السلم الاجتماعي عبر بذل العناية بالفئات الاكثر عرضة وتأثراً بالظروف المحيطة.
تشكل النفقات العامة احدى الادوات الرئيسية للمالية العامة والتي تساهم في تحقيق الاهداف الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، لذلك فالسياسات المتعلقة بالانفاق العام تحتل أهمية خاصة في الادارة الفاعلة والكفؤة للمصادر المالية المتاحة والتعامل مع مختلف التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، وفي المرحلة الحالية من الواضح أن موضوع تخفيض النفقات لا يشكل بديلاً مناسباً خاصة وان التخفيضات التي يمكن أن تتم تقتصر على نفقات ليس لها أهمية نسبية فالجزء الاساسي من النفقات غير مرن وهو يتمثل في الرواتب وفوائد الدين العام وغيرها، ربما يتمثل النهج الافضل في البحث حول ترشيد النفقات عبر تعزيز كفاءة الانفاق والاستخدام الامثل للموارد وهذا بدوره يعمل على استبعاد النفقات الترفية وغير المبررة، وهذا يشمل أيضاً الانفاق الرأسمالي باعتباره محفزاً للنمو وتوليد فرص العمل.
ويرتبط الحديث عن ترشيد الانفاق العام بتحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية المتوخاة بأقل كلفة ممكنة وبالجودة الافضل وهذا يتيح الحيلولة دون اساءة الاستعمال وفقاً لضوابط محددة وفي ظل ترتيبات ملائمة من المساءلة والرقابة الفاعلة، ويمكن النظر لهذا الامر كمنظومة متكاملة تبدأ من عملية اعداد الموازنة واقرارها ومراحلها التنفيذية ووضع الاهداف والنتائج المطلوب تحقيقها وصولاً الى نظام رقابة يحدد المسؤوليات ويبين جوانب الضعف والتقصير ويعالج الثغرات ويفعل المساءلة على مختلف المستويات الادارية، فمثلاً يلاحظ في بعض الاحيان ومع قرب انتهاء السنة المالية أن بعض الجهات تحاول أن تستنفد ما خصص لها من موارد دون الاخذ بعين الاعتبار ما قد يتحقق من أهداف، وهذا يعود في جزء منه لارتباط ما يخصص مستقبلاً من نفقات بما تم انفاقه فعلاً، كما أن التأخر في اقرار قانون الموازنة قد يؤدي الى التسرع في طرح عطاءات المشاريع الرأسمالية مع ما يترتب على ذلك من تكاليف اضافية أو اخطاء في ظل الضغوط الزمنية.
ولغايات السير قدماً في تفعيل مؤسسية ملائمة لترشيد الانفاق لا يكفي أن يقتصر الامر على التأكد من التوافق مع القوانين والتشريعات ذات العلاقة، بل لا بد من أن يمتد ذلك الى تقييم النتائج المرتبطة بالانفاق ومدى ملاءمتها للأهداف الاقتصادية والاجتماعية، هذا بالاضافة الى البحث عن مختلف الخيارات المتاحة للتمويل بما في ذلك مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، وكذلك التأكد من توفر الهيكل الاداري الملائم بحيث يتم تجميع الوحدات الادارية ذات الاهداف المتشابهة أو الغاء غير الضرورية منها، يضاف لذلك العمل على قياس كفاءة وفعالية أداء الوحدات والأجهزة الحكومية لدى قيامها بتنفيذ البرامج والمشاريع المختلفة، ومن الواضح أن ترشيد الانفاق العام لا يمكن أن يتم الا من خلال جهاز اداري كفؤ وقيادات ادارية مبادرة وهذا ما نرجو أن نصل اليه من خلال خطة التحديث الاداري، كما أن أعتماد نظام تحليل التكلفة والعائد يمكن أن يشكل أداة تضمن الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
ترشيد الأنفاق يتطلب القيام بجهود أضافية تتسم بالوعي للمصاعب والتحديات التي نواجهها والشمولية التي تعالج مختلف الثغرات خلال المراحل المختلفة، خاصة وأن هذا التوجه يمثل خياراً استراتيجياً ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي ويساهم في العمل على تنفيذها بكفاءة وفاعلية، وهذا الامر بلا شك لا يمكن أن يتحقق بين يوم وليلة فهو ليس شعاراً يقال وانما عمل دؤوب يمتد لفترات زمنية لا يتم خلالها مراجعة المنهجيات والاسس المعتمدة للانفاق فحسب بل واداء الاجهزة الادارية ذات العلاقة مع التشخيص الدقيق للأهداف والنتائج وتعزيز الانظمة الالكترونية ورفع كفاءة الاجهزة الرقابية وتفعيل اجراءات مكافحة الهدر واستهداف منابع الفساد والاستخدام غير المبرر للمصادر البشرية والمادية، ومن المهم أن لا تقتصر هذه الجهود والاجراءات على نفقات الحكومة المركزية فقط بل لا بد أن تشمل مختلف مكونات القطاع العام بما في ذلك المؤسسات المستقلة والبلديات وأمانة عمان.
(الراي)