كتابي حول الحرب .. قناعة وإنصاف
د.حسام العتوم
21-03-2023 08:26 AM
صدر لي حديثا عن مطبعة الجامعة الاردنية بتاريخ 16 آذار 2023، كتابا جديدا حول الحرب الأوكرانية شارك في كتابة تقدمته و بشجاعة مشكورة دولة السيد طاهر المصري والذي تحدث فيها عن صراعات الحضارات و استهداف الصين عبر روسيا و تحويل أوكرانيا للضحية ، و يشكر المؤلف العتوم موقف الأردن المحايد من الحرب الأوكرانية الداعي للحوار و السلام بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين " حفظه الله " ، وهي الأزمة الدموية المؤسفة التي يطلق عليها الجانب الروسي مصطلح " العملية العسكرية الخاصة " منذ تاريخ 24 2 2022، و تطلق عليها العاصمة " كييف " و بالتعاون مع عواصم الغرب مصطلح الحرب لدحر روسيا الاتحادية ، وفي واقع الحال هي الحرب التي أنتجها نظام " كييف" السياسي الجديد المحسوب على التيار البنديري المتطرف العائد جذوره الى عمق الحرب العالمية الثانية 1939 1941، والتي فرضت على السوفييت عام 1941 ، و بالتعاون خلسة مع العاصمة الأمريكية " و اشنطن " و جهازها اللوجستي المعروف ، ومع باقي عواصم الغرب و أجهزتهم المشابهة و المتعاونة ، وظهرت ملامحها الأولى على شكل ثورات ملونة برتقالية قادت لإنقلاب غير دستوري عام 2014 تمكن من طرد آخر رئيس لأوكرانيا موالٍ لروسيا الاتحادية مثل " فيكتور يونوكوفيج " ، و بهدف اجتثاث الحضور الروسي من الاراضي الاوكرانية رغم التاريخ المشترك الذي تمتد جذوره الى خلف أسوار الحقبة السوفيتية حتى ، و رغم مراهنة "موسكو" وقتها على استمرار صمود الجبهة الشرقية الواحدة ، خاصة بعد رفض حلف " الناتو " انضمام روسيا اليه عام 2000 ، وبعد درس الحرب الجورجية عام 2008 ،وبدأت موسكو خطوتها الإستباقية الأولى بإعادة اقليم " القرم " للسيادة الروسية وفقا لحقائق التاريخ وعبر صناديق الاقتراع ، و هو ليس احتلالا .
ولقد سبق صدور كتابي هذا ، صدور كتابين لي ، الأول بعنوان " روسيا المعاصرة و العرب عام 2016 ، والذي شكر صدروه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين " حفظه الله " ، و الثاني بعنوان " الرهاب الروسي غير المبرر " عام 2020 ، الذي حظي بشكر كبار رجالات الدولة و السلك الدبلوماسي الأردني و العربي ،ووصل صداه الى السلك الدبلوماسي الأجنبي ، ولقد ثبت لي بأن الغرب معني بإستمرار الحرب الباردة و سباق التسلح ،ولا ينسجم مع السياسة الروسية الخارجية و الداخلية منها ،ويريد لقطبه الأوحد أن يسود ويطغى ، ولديه قناعة بأن القانون الدولي ولد عندهم و لا يفهمه غيرهم ، وأصبح الغرب محاميا للدفاع عن سيادة الدولة الأوكرانية التي حصلت رسميا على استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 ضاربا بعرض الحائط تفاصيل مجريات الأحداث ، وغامضا عيونه عن من بدأ الحرب فعلا على مدار أكثر من ثماني سنوات وتسبب في جريمة حرب ذهب ضحيتها أكثر من 14 الفا من الروس و الأوكران الناطقين بالروسية في شرق و جنوب أوكرانيا ،و حملة جوازات السفر الروسية ، وأعاق الغرب ذات الوقت حوار " كييف " المباشر مع " موسكو " ، وعبر اتفاقية " مينسك 1+2 " ، ونشر في الأراضي الأوكرانية و السوفيتية السابقة أكثر من 30 مركزا بيولوجيا خبيثا ضارا بالمكون السوفيتي – السلافي مستغلا زمن انتشار وباء فايروس كورونا " كوفيد 19 " ، و شجع و عاون " كييف " على الشروع في انتاج قنبلة نووية بهدف التوازن العسكري مع " موسكو " و لاجبارها على حوار " الند للند " بهدف اعادة صورة السيادة الأوكرانية لوضعها السابق، بينما لم نلاحظ هكذا صورة بين اسناد الغرب لإسرائيل " النووية " و تعاطفهم الشكلي مع العرب في موضوع الاراضي العربية المحتلة منذ الرابع من حزيران لعام 1967 ، وشجع الغرب لاحقا من جديد " كييف " على الشروع في انتاج قنبلة نووية مخفضة أخرى ، وصفتها روسيا بالقذرة بحجة شروع "موسكو" بإستخدام مثلها في الحرب الأوكرانية ، وهو الذي ثبت سرابيته .
وقرار " موسكو " في العملية -الحرب- بتاريخ 24 آذار 2022، لم يكن فرديا أتوقراطيا بوتينيا كما يشاع في " كييف " و عواصم الغرب ، و انما جماعيا من قبل قادة قصر " الكرملين " الرئاسي " في موسكو بحضور ومشاركة الرئيس فلاديمير بوتين ، بسبب استشعار الخطر القادم على سيادة روسيا من طرف " كييف و حلف " الناتو " ، ولعدم جواز السكوت على استمرار ارتكاب " كييف " لمجزرة بشرية في " الدونباس " لرغبتها في ضمه قسرا ، وهو الأمر الذي انتهى كما نشاهد و نتابع الى إعادة أقاليم " الدونباس " إلى السيادة الروسية من جديد عبر صناديق الاقتراع ، و بالارتكاز على معطيات التاريخ المعاصر العميق ،وهو ليس احتلالا أيضا .
ولقد ارتكزت " موسكو " بداية على المادة القانونية 517 من مواد الأمم المتحدة التي تخول الدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الاتحادية أن تدافع عن سيادتها وعن مواطنيها و السكان المؤازرين لها، و هي المادة القانونية التي لم يستوعبها الغرب ، و ذهب لتحريض كبريات المؤسسات القانونية في العالم على روسيا مثل " الأمم المتحدة " ، و " مجلس الأمن " ، و " حقوق الانسان " ، و " المحكمة الدولية ، و " قمة العشرين " ، و دول " البريكس " ، و " الدول الصديقة لأمريكا على خارطة العالم ، و تزويد " كييف " بالسلاح و المال الوفيرين و بحجم وصل الى قرابة 150 مليار دولار ، و ربما أكثر ، بهدف اضعاف الموقف الروسي وممارسة ضغوطات نفسية عليه عبر توجيه حزم من العقوبات الاقتصادية عليه ، لكن روسيا بقيت صامدة اقتصاديا ،و عملتها " الروبل " ربطت بمصادرها الطبيعية ، ولم تشبه اصدارات الغرب الورقية على مستوى العملات النقدية ، و استمرت في صمودها عسكريا وسط عمليتها الدفاعية غير الاحتلالية ،و قدمت مؤسسة " فاغنر " الفدائية للسيطرة على آخر معاقل الدونباس مثل "باخموت – أرتيمفسك "، وبقي الجيش الروسي يراقب ، وروسيا كما نعرف قطب أكبر من دولة ، وتصنف نفسها الأولى على مستوى السلاح فوق النووي ، تتمتع بمساحة جغرافية " أكثر من 18 مليون كلم2 " يصعب تطويقها ، و أي قرار صادر محكمة الجنائية الدولية بحق روسيا باطل ، و روسيا ليست عضوا في نظام روما المؤسس للمحكمة ذاتها ، و قراراتها غير ملزمة حتى للمجتمع الدولي ، و مسألة نقل روسيا للأطفال الروس و الأوكران من أطراف منطقة " الدونباس " الروسية المحررة لحمايتهم لا يعتبر جريمة حرب ، ولا يشبه تسبب " كييف " في قتل أطفال شرق و جنوب أوكرانيا الى جانب أعداد كبيرة من الروس و الأوكران هناك ، والتي هي جريمة حرب فعلا توجب تحرك محكمة الجنايات الكبرى بصددها ، لكن ماذا نقول عندما تخترق المحكمة نفسها ، و ليست وحدها وسط كبريات المؤسسات القانونية في العالم ؟ !.
وانفردت جمهورية الصين الشعبية بعد عام على اندلاع العملية الروسية العسكرية الخاصة ، و حرب العاصمة الأوكرانية " كييف " و عواصم الغرب الخمسين بقيادة أمريكا و حلف " الناتو " بمبادرة سلام من 12 بندا لأنهاء الحرب الجارية عبر وقف عقوبات الغرب غير المقنعة و للمحافظة على سيادة كل من روسيا الاتحادية و جمهورية أوكرانيا ، وشهادة الصين بقيت مجروحة بسبب ما يجمعها بروسيا من صداقة تاريخية و في قلب مجلس الأمن ،وهو ما دعا الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة جو بايدن للتشكيك بحيادية الموقف الصيني ، وهاجس الصين على " تايوان " واعتباره جزءا من السيادة الصينية يشكل قلقا لها في ظل موقف أمريكي مساند ل " تايوان " ، الأمر الممكن تفسيره بأن الصين في خطوتها لأنهاء الحرب الأوكرانية ، انما هدفت لمغازلة أمريكا التي تكيل كعادتها بمكيالين في الأزمات الدولية ، ولا مخرج للحرب الأوكرانية ممكن تصوره لانهائها من غير إعلان " كييف " قبولها بسلام الأمر الواقع مع " موسكو " ، بمعنى القبول بالأقاليم الخمسة " القرم , و دونيتسك ، و لوغانسك " الدونباس " ، و زاباروجا ، و خيرسون ) في اطار سيادة روسيا الاتحادية ، وتحريك صناديق الاقتراع في العاصمة " كييف " مخرج هام للدفع الى سدة السلطة الأوكرانية الغربية بقيادة معتدلة تقبل بروسيا جارة التاريخ و تقيم علاقات متوازنة مع دول العالم وسط عالم متعدد الأقطاب بعيدا عن الانحياز للقطب الواحد الذي بدأ يتراجع وهجه ، و إدارة الظهر لروسيا جارة التاريخ ، و العارفة بالقانون الدولي كما دول العالم .