عدة أجيال من الشبان والمراهقين والأطفال في العالم العربي تعلموا حب القراءة والمطالعة بفضل سلسلة المغامرات التي كانت تصدرها دار المعارف في مصر ، والتي نعرفها تحت إسم الألغاز وفيها المغامرون الخمسة والمغامرون الثلاثة وغيرهم ، وكانت هذه القصص تتميز بتشويق شديد يشد الجميع في حبكتها البوليسية المثيرة والحوار الناضج ولكن المتناسب ايضا مع الذهن الفضولي للأطفال والمراهقين.
ما حدث في شرم الشيخ قبل أيام ربما كان اشد إثارة من كافة هذه الألغاز ، حيث تعرض سياح إلى هجوم من سمكة قرش مفترسة أدت إلى وفاة إحدى السائحات وجرح أربعة في واقعة تشبه إلى حد كبير سلسلة أفلام الفك المفترس التي أخرجها ستيفن سبيلبيرج قبل 30 سنة وأكثر. بالطبع تبقى هجومات أسماك القرش على البشر قليلة ولكنها قابلة للحدوث في كافة أنحاء العالم حيث تنتشر أسماك القرش وخاصة في الحيد المرجاني العظيم في أستراليا وفي المحيط الهندي وفي البحر الأحمر حيث شرم الشيخ.
وفي كل مكان تحدث فيه هذه الهجمات تكون ردود الفعل منطقية حيث يبدأ علماء الكائنات البحرية والبيئة بالبحث عن الأسباب الكامنة وراء الهجمات ولماذا تقترب الأسماك المفترسة من المناطق الساحلية الضحلة ، بينما يتحمل مدراء الأمن والسلامة مسؤولياتهم ويقدمون استقالتهم احتراما للضحايا والتزاما بقيم المسؤولية. ولكن في عالمنا العربي مثل هذه النتائج والتفسيرات المنطقية لا تكفي إذ لا بد من إدخال نظريات المؤامرة في كل أمر ، وبما أن إسرائيل موجودة في المنطقة فلا بد من تحميلها نتائج كافة الأخطاء التي نرتكبها في حياتنا وفي الإدارة العامة لمؤسساتنا ودولنا ، وهكذا أصبح الموساد مسؤولا عن هجوم القرش كما قال أحد المسؤولين المحليين في شرم الشيخ ورددت ذلك بعض الصحف المصرية ونسبة لا يستهان بها من الرأي العام. لا ننكر مسؤولية إسرائيل عن الكثير من المصائب في عالمنا العربي ولكن محاولة البعض للتهرب من المسؤولية وإزاحة التفسير العلمي من أجل التفسير الاسهل تعتبر حالة تضليل مزعجة للرأي العام واستهانة بذكاء الناس.
في الوقت الذي كان فيه السياسيون والإعلاميون يروجون لاتهام الموساد كان علماء البحار يعملون بصمت ويخرجون بنتائج أولية منطقية من الأفضل أن يتم التعامل معها بجدية لحماية المنطقة من هجمات مقبلة لأسماك القرش ، ومنها قيام بعض السفن في المنطقة بإلقاء جثث الحيوانات والأضاحي النافقة في البحر مما جذب أسماك القرش إلى المنطقة الضحلة ، وكذلك الصيد الجائر للأسماك الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل فريسة أسماك القرش في النظام الغذائي الطبيعي مما يجبر القروش على البحث عن فرائس بديلة والإقتراب أكثر من الساحل. ثالث هذه الاسباب المحتملة هو قيام بعض السياح بإطعام الحيوانات البحرية والذي قد يشجع القروش على الأقتراب من مناطق التواجد البشري والتي عادة ما تبتعد عنها القروش بسبب خوفها من البشر ، ولا ننسى ايضا ظاهرة تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة المحيطات مما يغير من نطاق تواجد الكائنات البحرية ومنها اسماك القرش في ملاحقتها لفرائسها.
وفي المحصلة ، لو تم تكليف المغامرين الخمسة ، مع الشاويش فرقع بالبحث عن حل للغز القرش المفترس في شرم الشيخ لتوصلوا إلى نتائج علمية مثل التي ذكرت سابقا ، وليس اللجوء إلى نظرية المؤامرة التي تزداد سخافة يوما إثر الآخر.
batirw@yahoo.com
(الدستور)