تزخر معركة الكرامة الخالدة بقائمة طويلة من مواقف التضحية والفداء ما زلنا إلى يومنا هذا نتفيأ ظلالها، وهي محور حديثنا في مجالسنا، وكلما حضرت ذكرى معركة الكرامة حضرت معها معاني البطولة والشرف، لما تشكله هذه المعركة من نقطة تحوّل وعلامة فارقة في تاريخنا الحديث، بفضل الأيدي الأردنية المثابرة التي جعلت الأردن يحتل مكانًا مرموقًا على خريطة التميز، وجعلت رايته خفاقة في سماء المجد.
"الهدف موقعي" أيقونة التضحية والفداء ضرب بها صاحب المقولة أروع الأمثلة في التجرد من الذات والتحرر من قيد الأنانية والفردية، وكأنني به حين صدح بها تمثّل قول الشاعر:
إذا قيل: من فتًى؟ خِلتُ أنني عُنيتُ فلم أكسل ولم أتبلدِ
فقدّم لمن بعده دروسًا في الولاء والانتماء والفداء ستظل سراجًا منيرًا لكل من يقتفي دروب العزة والكبرياء.
"الهدف موقعي" كلمتان صغيرتان، ولكنهما عظيمتان في ما تحويهما من معاني عظيمة ومقاصد سامية، وجليلتان في ما ترميان إليه من غايات تدعو كل واحد منا أن يجعل من موقعه هدفًا للنهوض بمجتمعه، ويكون له سهم كبير في رفعة بلده ليبلغ أعلى المراتب ويكون في مصاف الدول المؤثرة في حركة الوجود وإعمار الأرض بالخير.
"الهدف موقعي" عنوان يحمل كثيرًا من معاني التضحية، بل هو التضحية ذاتها سطرتها معركة الكرامة الخالدة في ذلك اليوم المشهود، يوم أن ثبت جنودنا البواسل ثباتًا تعجز عن وصفه كلمات المعاجم قاطبة، ثباتًا ما زلنا نستظل ظلاله ونترجمه واقعًا في حياتنا حين نتمسك بثوابتنا الوطنية ومبادئنا القومية، ونقف بنيانًا مرصوصًا كتفًا بكتف في وجه التحديات؛ ليظل وطننا عزيزًا منيعًا تعبق صفحاته بمواقف الصمود والمجابهة وتجاوز المحن والإحن.
لقد ضرب أبناء الوطن أروع الأمثلة في ترسيخ هذا الشعار الكبير بما بذلوه من جهود كبيرة في مواقف على مر التاريخ، ولعل من أبرز تلك المواقف ما عانيناه من ظروف اللجوء والتهجير الذي تعرض له أشقاؤنا من بلدان متعددة ووجدوا الأردن حضنًا دافئًا استضافهم، وما عايشناه إبان جائحة كورونا وما بذلته الكوادر الطبية والتربوية من مواقف مشرفة حفظت للوطن هيبته، وضحت بوقتها وجهدها من أجل استدامة سلامة الأوضاع الصحية واستمرارية العملية التعليمية التعلمية، بل حققنا في ظل هذه الجائحة انتصارًا كبيرًا بما أنجزناه في زمن قياسي في تطوير آليات عملنا وتحسين أدائنا، ولا يخفى ذلك على كل ذي بصيرة.
ما أحوجنا في هذا الزمان إلى التمسك بأيقونة الفداء وشعار التضحية والولاء "الهدف موقعي"، فيجعل كل منا من نفسه إحداثيات تصنع منه نقطة تحوّل، فيقدم المصلحة العامة على مصالحه الشخصية بكل تجرد وانتماء، ويبتعد عن التنظير، ولعمري ما يقبل على هذا الأمر إلا من يحمل في ذاته معاني الإخلاص والإقدام والثقة بالنفس، ومن يجد نفسه لائقًا ليكون في صفوف صانعي المجد، مهما ادلهمّت الخطوب، وتكالبت الأزمات.
واليوم نحن جميعًا محطّ نظر قائد البلاد المفدى؛ لنكون شركاء جميعًا في الأردن ومع بداية المئوية الثانية من عمر دولتنا الأردنية، في البناء على ما أنجزه آباؤنا وأجدادنا، ونكمل مسيرة التطوير، ونتجاوز ما نواجه من تحديات، بعزم لا يلين، وبإرادة صلبة، وبتخطيط مؤسسي سليم، وبرؤية واضحة؛ لنرسم مستقبلًا مشرقًا عنوانه التميز وجوهره الإبداع، في كافة القطاعات، لنكون رقمًا صعبًا ولبنة أساسية في بنيان الحضارة الإنسانية.