لكي لا يدفع العجلوني الثمن
حسين الرواشدة
20-03-2023 12:22 AM
تذكرون قصة الخلافات التي دارت بين رئيس مجلس أمناء جامعة الحسين بن طلال (2019 ) ورئيسها؟ آنذاك استفرد رئيس المجلس برئيس الجامعة، بعد أن رفض الخضوع لأوامره، فأرسل كتاب تقييم يوصي بإنهاء خدماته، تدخل أهالي معان وطلبوا إبقاء رئيس الجامعة، لكن بعدها بأقل من عام، اخذت وزارة التعليم العالي بالتوصية، ثم تبين -لاحقا -أن الرجل خرج مظلوما، ولم يبادر احد لإنصافه، أو الاعتذار وإعادة الاعتبار اليه.
القصة، بتفاصيلها، تتكرر الآن في جامعة البلقاء التطبيقية، ما أخشاه أن تكون النتيجة هي ذاتها، وأن يدفع رئيس الجامعة، بلا اي مبرر، ثمن الخلاف مع رئيس مجلس الأمناء، ثم نكتشف -لاحقا -أن القرار لم يكن صحيحا، وحتى لو لم يحدث ذلك، سواء بسبب حكمة ودقة لجنة الخبراء التي تم تشكيلها لتقييم الرؤساء ( برئاسة الدكتور محي الدين توق وعضوية الدكتور عبدالله الموسى والدكتور محمود الدويري، وهم محل ثقة واحترام)، أو بسبب الأداء الناجح والمشهود له لرئيس الجامعة، حسب ما جاء في كتاب الاستدراك الذي ارسله اعضاء مجلس الامناء للجنة التقييم، فإن إمكانية تكراره مستقبلا في جامعتنا مسألة واردة، وسيبقى هاجسا، ومصدر قلق لرؤساء الجامعات، مادام ان أساس تعيين رؤساء مجالس الأمناء و أعضائها غير مضبوطة، وما دام ان علاقة بعضهم مع رؤساء الجامعات وإداراتها تخضع لاعتبارات شخصية، عنوانها المناكفات وترصد الأخطاء.
هذه الوقائع التي تعكس الحالة التي انتهت إليها جامعتنا للأسف، تطرح الكثير من الاستفهامات والألغاز، خذ، مثلا، المعايير التي تعتمدها لجان التقييم بمجلس التعليم العالي، ستجد أن هذه المعايير « مطاطة» ولا تخضع لمقاييس او دراسات او استقصاءات دقيقة، ستجد، ايضا، أن ما حدث من تعديلات على قانوني الجامعات والتعليم العالي مؤخرا ساهم بتفصيل «التقييم « على مقاسات خاصة، تم وضعها للإطاحة بأحد رؤساء الجامعات قبل نحو عامين.
خذ، مثلا آخر، تشكيل مجالس الأمناء ووظائفها و صلاحياتها، ستكتشف ان بعض الرؤساء والأعضاء لا علاقة لهم بالعمل الأكاديمي و الجامعي، كما أنه تم تحويلهم لمجالس ديكورية، لا تجتمع إلا عند الطلب (في الجامعات بالعالم يقتصر دور المجالس على توفير الدعم المالي لمشروعات الجامعة)، وبالتالي أليس من الإنصاف أن نسأل عن أداء مجالس الأمناء وانجازات رؤسائها تحديدا، مثلما نسأل عن أداء رؤساء الجامعات، وأن يخضع الجميع للتقييم أيضا؟
منذ نحو سبعة أعوام (2016) شهدنا خمس تجارب لتقييم رؤساء الجامعات دون غيرهم، طبعا، من القيادات بالإدارات العامة بالدولة، وفي كل مرة تُثار التساؤلات ذاتها عن الآليات والاعتبارات والنتائج والتدخلات، ولا نتعلم من دروسها، الآن مع قصة جامعة البلقاء الاخيرة، لابد أن يتحرك الحريصون على سمعة جامعاتنا ودورها، لإبداء رأيهم فيما يجري، لا يجوز، أبدا، أن يرتبط التقييم بإنهاء خدمات الرؤساء بكبسة زر، لا يجوز أن يتم ذلك بعد عام على تعيينهم، معقول أن نحكم على أداء رئيس دون أن نحكم على المعايير التي تم تعيينه أصلا على أساسها؟ إذا كانت نتيجة الأداء متواضعة فإن نتيجة الاختيار كانت خاطئة أصلا، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر بمعايير التعيين قبل إصدار أحكام التقييم.
أدرك، تماما، أن مسألة «تقييم للرؤساء» جزء بسيط من الصورة، لكنها تعكس بعضا من المسكوت عنه في جامعاتنا، وهذا المسكوت عنه، يحتاج - الآن - لمن يفتح ملفاته بجرأة وحكمة ومسؤولية، بعيدا عن نشر الفضائح وتبادل الاتهامات، وتصفية الحسابات، وإذا كان البعض يتصور أن التعليم العالي مجرد تعيين رئيس أو إنهاء خدماته، فقد حان الوقت لكي نذكره بضرورة ان يوسع مداركه، ويحكم ضميره، فأداء جامعاتنا كله هو الذي يحتاج للبحث و التحديث والتطوير، والانشغال به واجب الوقت، ومصلحة البلد التي هي أهم من كل ما يجري من صراعات ومناكفات، لمجرد إرضاء أشخاص لا يجيدون إلا صناعة الخصومات، ونصب المصائد، وتفجير الألغام الصوتية.
(الدستور)