كتبتُ مرارًا عن الحزبية والحزبيين الجُدُد، وقلت: الحزبيون الجُدُد ليسوا حزبيين، بل مجموعات من الأفراد لا تجارب سياسية، أو حزبية لمعظمهم؛ ولذلك؛ كانوا يقدمون أنفسهم بوظائفهم، وهذا برأيي دليل قوي على فراغ تاريخهم من أي نضال. إنّ وزيرًا سابقًا ومديرًا ومهندسًا وموظف جمرك ليست مقومات حزبية، فالتناغم مع السلطة ليس نضالًا إلّا إذا كانت هذه السلطة مقهورة! ومن الواضح أن هناك ظاهرتين في العمل الحزبي الحالي:
الأولى؛ نجح منظمو الأحزاب ومهندسوها، وقادتها في حشد أعداد كبيرة دخلت إلى الأحزاب بدوافع عديدة قد لا يكون الدافع الوطني في مقدمتها. ومهما كانت الدوافع، فإن هناك أحزابًا عديدة نجحت في تحشيد العدد المطلوب لترخيصها، بل إن بعضها قد حشد ما يزيد عن عدد أعضاء حزب البعث حين حكم سوريا في سنة ١٩٦٣. مع فارق كبير في مفهوم الحزبية والشخصية الحزبية بين الأحزاب القومية، والأحزاب الوطنية. فالحزبية السابقة كانت لعنة خطيرة على منتسبيها، بينما الأحزاب الحالية لهفة غالية على أصحابها. ولذلك؛ فإن واقع الأمر يشير إلى أن لدينا إقبالًا متعدد الدوافع على أحزابنا! واللهمّ اجعله خيرًا.
أما الظاهرة الأخرى، فهي ردود الفعل العديدة على ما كتبت، والتي لم يكن بينها رد فعل واحد مؤيّدٍ للأحزاب أو مدافعٍ عنها! فما معنى ذلك؟ لدي تفسيران: الأول؛ ليس هناك من يأخذ الحزبية الجديدة على محمل الجد، وأنّ أحدًا ما ليس مستعدّا للدفاع عنها! فأين منتسبو هذه الأحزاب؟ ربما لم تتبلور شخصيتهم النضالية الحزبية بعد!
أما الأخر، فهو أن جميع التعليقات وردود الفعل كانت مناهضة للأحزاب الحالية، فهناك ما يشبه اتفاقًا على أن الأحزاب مرتّبة ومنظمة، وأنها سترث الأساليب القديمة في الترشيح والتدوير، والتوظيف تحت شعارات أنه حكم الحزب، وأن أشخاص الحزب هم الأكثر قدرةً على تنفيذ برامج الحزب!
فالظاهرتان متضادتان: إقبال على الحزبية ورفض لها. قد يكون الأمر طبيعيّا، ولكن ما ليس طبيعيّا هو ألا نسمع صوتًا حزبيّا واحدًا من الحزبيين الجُدُد! وما مواقفهم من الأحداث المحليّة والعربيّة والدوليّة!!
وعلى العكس تمامًا، أثار حسني عايش التربوي الأكبر على صفحته على الفيس بوك عددًا من الأسئلة المهمة بعنوان: شفرة حسني عايش، يصعب اختصارها؛ لأن كل سؤال -شفرة- يحتاج مقالًا! اخترت منها:
- هل سيتحسّر أحد على انقراض هذه الأحزاب عند أول أزمة؟
- ولماذا لم يكتب أيّ حزبي تحليلًا لموقفه؟ وهل هو مع السلطة، أم مع المجتمع؟
سأل عايش عشرة أسئلة حزبية، ووضع علامة النجاح أربعين من مئة. رأيت هذه العلامة مرتفعة، وعلى عايش تخفيضها كثيرًا لعل حزبًا ما ينجح!!