الزلزال والسياسة وازدواج المعايير / 2
اللواء المتقاعد مروان العمد
19-03-2023 10:31 AM
سوف اتابع حديثي اليوم عن تركيا وعن الزلزال والسياسة ، وازدواج المعايير فيها ومعها .
قلت في نهاية القسم الاول ان من سوء الطالع ان يقع هذا الزلزال قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية . والتي يعول اردوغان على الفوز بها لمصادفتها مع مرور مائة عام على توقيع معاهدة لوزان التي مزقت الامبراطورية العثمانية عام 1923 ، والذي يعني له تحرر تركيا من قيودها ، و ولادة تركيا الحديثة . وكان من المفروض ان تجري الانتخابات بتاريخ في 18 / 6 والذي يتزامن مع الامتحانات الجامعية وموسم الحج مما سوف يفقده اصوات الشباب والمتدينين . ولذا حدد موعدها في 14 / 5 والذي يصادف مرور 73 عاماً على فوز الحزب الجمهوري برئاسة عدنان مندريس على انصار الاتاتوركية . ومعروف مدى عشق اردوغان بالتواريخ التي تتعلق بامجاد الماضي والتي يسعى لاعادة احياؤها . الا ان وقوع الزلزال اربك حساباته التي كان يعد العدة لها منذ ان مارس العمل السياسي من خلال حزب الرفاة ، ثم الفضيلة برئاسة نجم الدين اربكان . ولذا وما ان تم حل حزب الفضيلة ، حتى ادرك ان تشكيل الاحزاب على طريقة اربكان لم يعد مجدياً . ولذا قام ومجموعة من اعضاء حزب الفضيلة المنحل بتشكيل حزب العدالة والتنمية ، كحزب اسلامي معتدل ضمن الدولة العلمانية في عام 2001 ، وفي نفس العام حقق الاغلبية بالانتخابات بدعم من مجموعة فتح الله كولن الصوفية ، والتي كانت تمارس انشطة تعليمية ،خدماتية ، وسياسية . وامتلكت المدارس والجامعات والمستشفيات ووسائل الاعلام والصحافة . وامتد نفوذها الى القضاء والقوات المسلحة ، ورجال السياسة . وفي عام 2003 اصبح اردوغان رئيساً للحزب ورئيساً للوزراء بعد انتهاء فترة الحكم بمنعه من ممارسة العمل السياسي ، و اصبح عبدالله غل شريكه في تأسيس الحزب رئيساً للجمهورية . وتم وضع اربكان في بالسجن بتهمة الاختلاس . واستمر بهذا المنصب لعام 2014 في ظل نظام برلماني ، حيث السلطة ورئاسة الحزب لرئيس الحكومة . الا ان اردوغان اراد التحول للنظام الرئاسي ، حيث السلطة ورئاسة الحزب لرئيس الجمهورية . ولذا رشح نفسه لهذا المنصب وفاز به . وعين احمد داوود اغلو ، والذي كان وزيراً للخارجية رئيساً للوزراء ، وكلفه بمهمة التحول للنظام الرئاسي ، مما اثار غضب عبدالله غل وانسحابه من الحزب . كما انسحب من الحزب علي باباجان والذي كان وزيراً للاقتصاد ثم الخارجية ، وشكل حزب الديمقراطية والتقدم المعارض . ولعدم قناعة احمد داوود اغلو بذلك ايضاً ، فقد استقال من رئاسة الحزب والوزراء ، وشكل فيما بعد حزب المستقبل المعارض . وتمكن اردوغان بعد ذلك من تحويل النظام الى الرئاسي بدعم من الحزب القومي . وفي عام 2016 وقعت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا ، والتي اتهم فتح الله كولن وجماعته بالقيام بها . وقام اردوغان بعدها بحملة من الاعتقالات شملت جميع معارضيه السياسيين في المؤسسة المدنية والعسكرية والقضائية والتعليمية والاعلامية وجميع الدوائر الحكومية . حيث تم اعتقال وانهاء خدمات مئات آلاف الاشخاص بتهمة المشاركة في الانقلاب . و في عام 2018 خاض اردوغان انتخابات الرئاسة من خلال الانتخاب المباشر وفاز بالأغلبية ، واصبح رئيساً للجمهورية و لحزب العدالة والتنمية . وبذلك اصبحت السلطة المطلقة بيديه . وقد تميز حكم اردوغان بتحقيق النهوض الاقتصادي ورفع مستوى الدخل ، ووضع تركيا بمصاف الدول الكبرى . والاهم من ذلك اعاد الاسلام لتركيا من غير ان يحارب العلمانية . الا ان تركيا في السنوات الاخيرة شهدت تراجعاً اقتصادياً ، وهبوطاً في قيمة الليرة التركية . وكان من اسباب ذلك سياسات اردوغان الخارجية ومنها تدخله في احداث الربيع العربي ، وخاصة في سوريا والعراق وليبيا . ومواقفه المتقلبة بالنسبة للقضية الفلسطينية والنظام الصهيوني . وخلافاته مع الدول الاوروبية التي قبلت بتركيا كحليف عسكري من خلال حلف شمال الاطلسي ، كونها تسيطر على مداخل بحر ايجة وبحر مرمرة والبحر الاسود وبحر ازوف من خلال مضيق البسفور . الا انها لم تقبل بها كحليف اقتصادي من خلال الاتحاد الاوروبي ، خوفاً من اتجاهات اردوغان الاسلامية ، وخلافاته مع دول الاتحاد الاوروبي ، ودعمه للدول الاسلامية في شرق اوروبا . وطموحاته لجعل تركيا دولة كبرى ، واعادة امجاد الدولة العثمانية . مما جعل دول الاتحاد تحاربه سياسياً واقتصاديا . و تدعم احزاب المعارضة للفوز في الانتخابات القادمة .
الا ان اردوغان وفي السنة الاخيرة من ولايته الحالية ، اعاد رسم سياساته الداخلية والخارجية . فقد قام على المستوى الداخلي بخفض سعر الفائدة ، و وعد الشعب ان يواصل البنك المركزي تخفيضها بقوله ما دام اخوكم في هذا المنصب ستستمر الفائدة في الانخفاض مع مرور كل يوم وكل اسبوع وكل شهر . كما زاد قيمة الرواتب ، وضاعف الحد الادنى للاجور ، وخفض سن التقاعد . وتوسع بعملية بناء المساكن وبيعها باسعار رخيصة وبالتقسيط . وسلم منازل جديدة لمن تهدمت منازلهم في زلزال عام 2020 وعلى حساب الحكومة .
اما بالنسبة للسياسة الخارجية فقد حافظ على مسافة معينة من اطراف الصراع على اوكرانيا ، فهو اغلق مضيق البسفور في وجه السفن الروسية تنفيذا لعقوبات حلف شمال الاطلسي ، الا انه لم يقطع علاقته معها ، ولم يشارك في فرض العقوبات الاقتصادية عليها . وبنفس الوقت قام بلعب دور الوسيط ما بين اوكرانيا وروسيا لعقد مباحثات سلام بينهما . كما ساهم في عقد اتفاقية البحر الاسود لتصدير الحبوب من روسيا واوكرانيا بالبواخر الى دول العالم . ومن ذلك تحسين العلاقات ما بين تركيا وايران وروسيا ، وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ، وتجاوز الخلافات مع السعودية على خلفية مقتل عدنان خاشقجي ،وفتح قناة اتصال مع مصر ، وسعيه لعقد لقاء يجمعه مع الرئيس السوري قبل الانتخابات التركية .
وبنفس الوقت وجه ضربة لاحزاب المعارضة والتي كانت تسعى لطرح عمدة مدينه اسطنبول الكبرى اكرم امام اوغلوا مرشحاً يمثلها في انتخابات الرئاسة ، والذي كان قد فاز بهذا المنصب في انتخابات عام 2019 ممثلا عن حزب الشعب الجمهوري . والذي كرر فوزه بعد اعادة الانتخابات نتيجة طعن حزب العدالة والتنمية بها بحجة حصول تلاعب فيها . و قد اكتسب المذكور شعبية كبيرة ، كما حدث مع اردوغان عندما كان عمدة لها عن حزب الفضيلة . واصبح ينظر اليه كمنافس لاردوغان ، وتقدم عليه في استطلاعات الرأي . حيث وجهت له تهمة اهانة مسؤولي الانتخابات والسلطة القضائية في انتخابات 2019 . وصدر بحقه حكم بالحبس لمدة 31 شهرا ، مما يعني حرمانه من الترشح للرئاسة ، وقد اثار هذا الحكم الذي تم الطعن به موجة غضب في تركيا والدول الغربية ، ويسعى اردوغان للحكم برد هذا الاعتراض قبل موعد الانتخابات لضمان عدم مشاركته فيها .
وبنفس الوقت فأن المحكمة العليا في تركيا تنظر في قضية حزب الشعوب الديمقراطي اليساري الكردي ثالث احزاب تركيا ، و المعتقل الكثير من قياداته ومنهم رئيسه صلاح الدين دميرطاش منذ سنوات ، بتهمة دعم الارهاب . في محاولة لحرمانه من خوض الانتخابات .
وهكذا وبعد ان هندس اردوغان الوضع الانتخابي لصالحه ، وسعى لتثبيت تقديم موعد الانتخابات ، خشية حصول ما ليس في الحسبان ، وقع ما ليس بالحسبان ، وكانت كارثة الزلزال وتغيرت كل الامور ، وفتحت جميع الاحتمالات .
يتبع الحلقة الثالثة