لم نتعلم من التجربة المُرّة
حسين الرواشدة
19-03-2023 12:23 AM
ما لم يتحرك الأردنيون لإنقاذ أنفسهم من أزماتهم، وحل مشكلاتهم، وقلع أشواكهم بأيديهم، فسيبقون يدورون بالحلبة ذاتها، ويتبادلون اللوم واللطم مع حكوماتهم وإداراتهم العامة، لن يساعدهم أحد، ولن يجدوا أمامهم سوى مزيد من الفشل، أو الهروب للماضي، أو الاستعانة بتجار «المعارضات « لأخذ ما يلزم من «منبّهات» التحريض والغضب والاستفزاز تارة، ومن «مُليّنات» السخرية والتسكين و الاستهانة، تارة أخرى.
على امتداد العقود الماضية (30 سنة ) جرب الأردنيون وصفة «المقاطعة»، احتجاجا على توقف عجلة السياسة، أو اختلال حركتها وموازينها، تَمنّع أغلبيتهم (نحو 70%)، وما زالوا، عن المشاركة بالعمل العام، و الانتخابات، و الانضمام للأحزاب (لاحظ أننا لم نفعل ذلك تجاه الأسواق حين يعمّ الغلاء، وترتفع الأسعار)، وجربوا الاحتجاج بالشارع، وفتحوا آذانهم لمن دب الصوت ورفع السقوف، وأدمنوا على الشكوى والانتظار.
كان سؤال « اللاجدوى» هو الحاضر الوحيد الذي تردد على ألسنة كثير من نخب مجتمعنا وانتقلت عدواه للناس، فماذا كانت النتيجة ؟ أحوالنا لم تتغير، لا على صعيد أداء مؤسساتنا، ولا على صعيد اليأس الذي اغرق الناس في بلدنا، من المستفيد ؟ اصحاب الوضع القائم الذين أسعدهم ما فعله الاردنيون بأنفسهم، فظلوا «يتبرطعون» بمواقعهم و مكاسبهم، من الخاسر ؟ الدولة والوطن، الأردنيون الطيبون كلهم بلا استثناء.
يبدو أننا لم نتعلم من هذه التجربة المرّة، وما فيها من دروس الخسارات والخيبات، تصور (!) عدد الذين انضموا للأحزاب، حتى الآن، لم يتجاوز السقف المحدد لترخيصها (12 ألفا لـ 12 حزبا جديدا )، آخر انتخابات برلمانية لم يشارك فيها سوى 30% من عدد الناخبين المسجلين، حالة الانسحاب واللاثقة واللامبالاة تترسخ وتتراكم في مجتمعنا اكثر فأكثر، هل يتوقع الأردنيون، إذن، أن تأتي حكومات وبرلمانات تمثلهم، وتحظى بثقتهم، وهم على هذه المواقف، وبالحالة التي استغرقوا فيها منذ عقود ؟ هل ينتظرون التغيير بالبراشوت أم بالمعجزة في زمن انتهت فيه المعجزات ؟
أدرك، تماما، أن لدى القراء الأعزاء -ولدي أيضا - عشرات المبررات والأسباب والهواجس، كلها تصب في خانة «اللاجدوى» من المشاركة، وتحمل ادارات الدولة المسؤولية، لكن أريد أن أشير إلى نقطة واحدة، فقط، وهي أن كثيرين من الذين صنعوا ما نحن فيه، حريصون على أن نبقى كما نحن، ما يعني أن وصفة الخروج من أزماتنا، التي تصورنا أنها الحل والمخرج (أقصد المقاطعة)، هي ذات الوصفة التي يرى هؤلاء أنها الأفضل والاضمن لاستمرارهم في المسار ذاته، وبالتالي فنحن بما عليه نعمل بالنيابة عنهم، ونمنحهم ما يريدون بأقل جهد منهم.
إذن، نحن -الأردنيين - من ساهم، بقصد او بدون قصد، فيما وصل إليه بلدنا من أزمات، وما نعانيه من اختناقات، لأننا تركنا المجال العام فارغا، فملأه هؤلاء المتنفذون، من اعداء الاصلاح، وسوف يورثونه لابنائهم وأحفادهم أيضا، إذا بقينا على ما نحن فيه، من عطالة وهروب وعزوف عن خدمة بلدنا.
من يستطيع أن يمنع الأردنيين، مثلا، متى امتلكوا العزيمة والإصرار، وطردوا الخوف من الوصايات والتدخلات، من إنشاء أحزاب تمثلهم، أو الانضمام لأحزاب تتوافق مع أفكارهم وطموحاتهم ؟ الدولة -بكافة إداراتها -لا تستطيع اليوم أن تفعل عكس ذلك، لان مشروع الحزبية اصبح استحقاقا للنظام السياسي والدولة والمجتمع، وسيكون بالمستقبل هو الطريق لتشكيل البرلمانات والحكومات.
السؤال : إذا عزف الأغلبية عن الدخول في هذا المسار، واكتفوا بتوزيع الاتهامات والإنتقادات، فما هي النتيجة ؟ أحزاب ضعيفة يركبها مجموعة من المتنفذين السابقين، والمتسلقين، واعداء الحزبية، والأخوة الكبار، و الديناصورات القديمة المتجددة، والبزنس المتوحش، هؤلاء كلهم سيتربعون على مواقع ادارات الدولة، فيما سيظل الأردنيون يتبادلون الكراهية والغضب على منصات التواصل الاجتماعي، و أحوالهم لن تتغير للأحسن.
أمام الأردنيين فرصة لكسر حالة اللايقين واللاجدوى، والإحساس بالعجز، التي جربوها عقودا طويلة، وهي إعلان النفير العام، للانخراط بالعمل السياسي، والاستثمار بالممكن والمتاح، وإن كانت مردوداته المتوقعة متواضعة على المدى المنظور، إلا أنها ستكون متراكمة مع الزمن، وضاغطة بما يكفي للانتقال إلى وضع قادم أفضل، هذا هو الطريق الوحيد أمامهم، وإلا فأرجو أن لا يلوموا أحدا على ما هم عليه، أو ما سوف يؤولون إليه، فـ» إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
(الدستور)